[ ص: 170 ] أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين
أم للإضراب الانتقالي من النفي إلى الاستفهام الإنكاري التعجيبي ، وهو ارتقاء بإبطال دعواهم أن يكون القرآن مفترى من دون الله .
ولما اختصت " أم " بعطف الاستفهام كان الاستفهام مقدرا معها حيثما وقعت ، فالاستفهام الذي تشعر به " أم " استفهام تعجيبي إنكاري ، والمعنى : بل أيقولون افتراه بعدما تبين لهم من الدلائل على صدقه وبراءته من الافتراء .
ومن بديع الأسلوب وبليغ الكلام أن قدم وصف القرآن بما يقتضي بعده عن الافتراء وبما فيه من أجل صفات الكتب ، وبتشريف نسبته إلى الله - تعالى - ثم أعقب ذلك بالاستفهام عن دعوى المشركين افتراء ليتلقى السامع هذه الدعوى بمزيد الاشمئزاز والتعجب من حماقة أصحابها فلذلك جعلت دعواهم افتراءه في حيز الاستفهام الإنكاري التعجيبي .
وقد أمر الله نبيه أن يجيبهم عن دعوى الافتراء بتعجيزهم ، وأن يقطع الاستدلال عليهم ، فأمرهم بأن يأتوا بسورة مثله . والأمر أمر تعجيز ، وقد وقع
التحدي بإتيانهم بسورة تماثل سور القرآن ، أي تشابهه في البلاغة وحسن النظم . وقد تقدم تقرير هذه المماثلة عند تفسير قوله - تعالى :
وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله في سورة البقرة .
وقوله :
وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين هو كقوله في آية البقرة
وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ، ومعنى صادقين هنا ، أي قولكم أنه افترى ; لأنه إذا أمكنه أن يفتريه أمكنكم أنتم معارضته فإنكم سواء في هذه اللغة العربية .
وحذف مفعول استطعتم لظهوره من فعل ادعوا ، أي من استطعتم دعوته لنصرتكم وإعانتكم على تأليف سورة مثل سور القرآن .