قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون
استئناف افتتح بأمر النبيء - صلى الله عليه وسلم - أن يقول لتنبيه السامعين إلى وعي ما يرد بعد الأمر بالقول بأنه أمر مهم بحيث يطلب تبليغه ، وذلك أن المقول قضية عامة يحصل منها وعيد للذين قالوا :
اتخذ الله ولدا ، على مقالتهم تلك ، وعلى أمثالها كقولهم
ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وقولهم : ما كان لآلهتهم من الحرث والأنعام لا يصل إلى الله وما كان لله من ذلك يصل إلى آلهتهم ، وقولهم
لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا [ ص: 233 ] وأمثال ذلك . فذلك كله افتراء على الله ; لأنهم يقولونه على أنه دين ، وماهية الدين أنه وضع إلهي فهو منسوب إليه ، ويحصل من تلك القضية وعيد لأمثال المشركين من كل من يفتري على الله ما لم يقله ، فالمقول لهم ابتداء هم المشركون .
والفلاح : حصول ما قصده العامل من عمله بدون انتقاض ولا عاقبة سوء . وتقدم في طالع سورة البقرة . فنفي الفلاح هنا نفي لحصول مقصودهم من الكذب وتكذيب
محمد - صلى الله عليه وسلم .
وجملة " متاع في الدنيا " استئناف بياني ; لأن القضاء عليه بعدم الفلاح يتوجه عليه أن يسأل سائل كيف نراهم في عزة وقدرة على أذى المسلمين وصد الناس عن اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيجاب السائل بأن ذلك تمتيع في الدنيا لا يعبأ به ، وإنما عدم الفلاح مظهره الآخرة ، فـ " متاع " خبر مبتدأ محذوف يعلم من الجملة السابقة ، أي أمرهم متاع .
والمتاع : المنفعة القليلة في الدنيا إذ يقيمون بكذبهم سيادتهم وعزتهم بين قومهم ثم يزول ذلك .
ومادة " متاع " مؤذنة بأنه غير دائم كما تقدم في قوله - تعالى :
ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين في أوائل سورة الأعراف .
وتنكيره مؤذن بتقليله ، وتقييده بأنه في الدنيا مؤكد للزوال وللتقليل ، و " ثم " من قوله : "
ثم إلينا مرجعهم " للتراخي الرتبي لأن مضمونه هو محقة أنهم لا يفلحون فهو أهم مرتبة من مضمون لا يفلحون .
والمرجع : مصدر ميمي بمعنى الرجوع . ومعنى الرجوع إلى الله الرجوع إلى وقت نفاذ حكمه المباشر فيهم .
وتقديم " إلينا " على متعلقه وهو المرجع للاهتمام بالتذكير به واستحضاره كقوله : "
والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة " إلى قوله : "
ووجد الله عنده فوفاه حسابه " ويجوز أن يكون المرجع كناية عن الموت .
[ ص: 234 ] وجملة "
ثم نذيقهم العذاب الشديد " بيان لجملة " ثم إلينا مرجعهم "
وحرف ثم هذا مؤكد لنظيره الذي في الجملة المبينة على أن المراد بالمرجع الحصول في نفاذ حكم الله .
والجمل الأربع هي من المقول المأمور به النبيء - صلى الله عليه وسلم - تبليغا عن الله تعالى .
وإذاقة العذاب إيصاله إلى الإحساس ، أطلق عليه الإذاقة لتشبيهه بإحساس الذوق في التمكن من أقوى أعضاء الجسم حاسية لمس وهو اللسان .
والباء في " بما كانوا يكفرون " للتعليل .
وقوله : "
كانوا يكفرون " يؤذن بتكرر ذلك منهم وتجدده بأنواع الكفر .