وأن أقم وجهك للدين حنيفا
موقع هذه الجملة معضل لأن الواو عاطفة لا محالة ، ووقعت بعدها أن . فالأظهر أن تكون أن مصدرية ، فوقوع فعل الطلب بعدها غير مألوف لأن حق صلة أن أن تكون جملة خبرية . قال في الكشاف : قد سوغ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أن توصل أن بالأمر والنهي ; لأن الغرض وصل أن بما تكون معه في معنى المصدر ، وفعلا الأمر والنهي دالان على المصدر لأنه غيرهما من الأفعال ا ه . يشير إلى ما في كتاب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه " باب تكون ( أن ) فيه بمنزلة ( أي ) . فالمعنى : وأمرت بإقامة وجهي للدين حنيفا ، ويكون العطف عطف مفرد على مفرد .
[ ص: 303 ] وقيل الواو عطفت فعلا مقدرا يدل عليه فعل أمرت . والتقدير : وأوحي إلي ، وتكون أن مفسرة للفعل المقدر ; لأنه فيه معنى القول دون حروفه .
وعندي : أن أسلوب نظم الآية على هذا الوجه لم يقع إلا لمقتضى بلاغي ، فلا بد من أن يكون لصيغة أقم وجهك خصوصية في هذا المقام ، فلنعرض عما وقع في الكشاف وعن جعل الآية مثالا لما سوغه
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ولنجعل الواو متوسعا في استعمالها بأن استعملت نائبة مناب الفعل الذي عطفت عليه ، أي فعل أمرت دون قصد تشريكها لمعطوفها مع المعطوف عليه بل استعملت لمجرد تكريره . والتقدير : أمرت أن أقم وجهك فتكون أن تفسيرا لما في الواو من تقدير لفظ فعل أمرت لقصد حكاية اللفظ الذي أمره الله به بلفظه ، وليتأتى عطف
ولا تكونن من المشركين عليه . وهذا من عطف الجمل لا من عطف المفردات ، وقد سبق مثل هذا عند قوله - تعالى :
وأن احكم بينهم بما أنزل الله في سورة العقود ، وهو هنا أوعب .
والإقامة : جعل الشيء قائما . وهي هنا مستعارة لإفراد الوجه بالتوجه إلى شيء معين لا يترك وجهه ينثني إلى شيء آخر . واللام للعلة ، أي لأجل الدين ، فيصير المعنى : محض وجهك للدين لا تجعل لغير الدين شريكا في توجهك . وهذه التمثيلية كناية عن توجيه نفسه بأسرها لأجل ما أمره الله به من التبليغ وإرشاد الأمة وإصلاحها . وقريب منه قوله :
أسلمت وجهي لله في سورة آل عمران .
وحنيفا حال من الدين وهو دين التوحيد ; لأنه حنف أي مال عن الآلهة وتمحض لله . وقد تقدم عند قوله - تعالى :
قل بل ملة إبراهيم حنيفا في سورة البقرة .