كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير
القول في الافتتاح بقوله : كتاب وتنكيره مماثل لما في قوله :
كتاب أنزل إليك في سورة الأعراف .
والمعنى أن القرآن كتاب من عند الله فلماذا يعجب المشركون من ذلك ويكذبون به . فـ كتاب مبتدأ ، سوغ الابتداء ما فيه من التنكير للنوعية .
و
من لدن حكيم خبير خبر و
أحكمت آياته صفة لـ كتاب ، ولك أن تجعل
أحكمت آياته صفة مخصصة ، وهي مسوغ الابتداء . ولك أن تجعل أحكمت هو الخبر . وتجعل
من لدن حكيم خبير ظرفا لغوا متعلقا بـ أحكمت وفصلت
والإحكام : إتقان الصنع ، مشتق من الحكمة بكسر الحاء وسكون الكاف . وهي إتقان الأشياء بحيث تكون سالمة من الأخلال التي تعرض لنوعها ، أي جعلت آياته كاملة في نوع الكلام بحيث سلمت من مخالفة الواقع ومن أخلال المعنى واللفظ . وتقدم عند قوله - تعالى :
منه آيات محكمات في أول سورة آل عمران . وبهذا المعنى تنبئ المقابلة بقوله :
من لدن حكيم
وآيات القرآن : الجمل المستقلة بمعانيها المختتمة بفواصل . وقد تقدم وجه تسمية جمل القرآن بالآيات عند قوله - تعالى :
والذين كفروا وكذبوا بآياتنا في أوائل سورة البقرة ، وفي المقدمة الثامنة من مقدمات هذا التفسير .
[ ص: 315 ] والتفصيل : التوضيح والبيان . وهو مشتق من الفصل بمعنى التفريق بين الشيء وغيره بما يميزه ، فصار كناية مشهورة عن البيان لما فيه من فصل المعاني . وقد تقدم عند قوله - تعالى :
وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين في سورة الأنعام .
ونظيره : الفرق ، كنى به عن البيان فسمي القرآن فرقانا . وعن الفصل فسمي يوم
بدر يوم الفرقان ، ومنه في ذكر ليلة القدر
فيها يفرق كل أمر حكيم .
وثم للتراخي في الرتبة كما هو شأنها في عطف الجمل لما في التفصيل من الاهتمام لدى النفوس لأن العقول ترتاح إلى البيان والإيضاح .
و
من لدن حكيم خبير أي من عند الموصوف بإبداع الصنع لحكمته ، وإيضاح التبيين لقوة علمه . والخبير : العالم بخفايا الأشياء ، وكلما كثرت الأشياء كانت الإحاطة بها أعز ، فالحكيم مقابل لـ أحكمت ، والخبير مقابل لـ فصلت . وهما وإن كانا متعلق العلم ومتعلق القدرة إذ القدرة لا تجري إلا على وفق العلم ، إلا أنه روعي في المقابلة الفعل الذي هو أثر إحدى الصفتين أشد تبادرا فيه للناس من الآخر وهذا من بليغ المزاوجة .