[ ص: 151 ] قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط
لما أرادوا بالكلام الذي وجهوه إليه تحذيره من الاستمرار على مخالفة دينهم ، أجابهم بما يفيد أنه لم يكن قط معولا على عزة رهطه ولكنه متوكل على الله الذي هو أعز من كل عزيز ، فالمقصود من الخبر لازمه وهو أنه يعلم مضمون هذا الخبر وليس غافلا عنه ، أي لقد علمت ما رهطي أغلب لكم من الله فلا أحتاج إلى أن تعاملوني بأني غير عزيز عليكم ولا بأن قرابتي فئة قليلة لا تعجزكم لو شئتم رجمي .
وإعادة النداء للتنبيه لكلامه وأنه متبصر فيه . والاستفهام إنكاري ، أي الله أعز من رهطي ، وهو كناية عن اعتزازه بالله لا برهطه فلا يريبه عدم عزة رهطه عليهم ، وهذا تهديد لهم بأن الله ناصره لأنه أرسله فعزته بعزة مرسله .
وجملة
واتخذتموه وراءكم ظهريا في موضع الحال من اسم الجلالة ، أي الله أعز في حال أنكم نسيتم ذلك . والاتخاذ : الجعل ، وتقدم في قوله :
أتتخذ أصناما آلهة في سورة الأنعام .
والظهري - بكسر الظاء - نسبة إلى الظهر على غير قياس ، والتغييرات في الكلم لأجل النسبة كثيرة . والمراد بالظهري الكناية عن النسيان ، أو الاستعارة لأن الشيء الموضوع بالوراء ينسى لقلة مشاهدته ، فهو يشبه الشيء المجعول خلف الظهر في ذلك ، فوقع ( ظهريا ) حالا مؤكدة للظرف في قوله : ( وراءكم ) إغراقا في معنى النسيان لأنهم اشتغلوا بالأصنام عن معرفة الله أو عن ملاحظة صفاته .
وجملة
إن ربي بما تعملون محيط استئناف ، أو تعليل لمفهوم جملة
أرهطي أعز عليكم من الله الذي هو توكله عليه واستنصاره به .
[ ص: 152 ] والمحيط : الموصوف بأنه فاعل الإحاطة . وأصل الإحاطة : حصار شيء شيئا من جميع جهاته مثل إحاطة الظرف بالمظروف والسور بالبلدة والسوار بالمعصم . وفي المقامات الحريرية :
"
وقد أحاطت به أخلاط الزمر ، إحاطة الهالة بالقمر ، والأكمام بالثمر
" . ويطلق مجازا في قولهم : أحاط علمه بكذا ، وأحاط بكل شيء علما ، بمعنى علم كل ما يتضمن أن يعلم في ذلك ، ثم شاع ذلك فحذف التمييز وأسندت الإحاطة إلى العالم بمعنى إحاطة علمه ، أي شمول علمه لجميع ما يعلم في غرض ما ، قال - تعالى :
وأحاط بما لديهم أي علمه . ومنه قوله هنا
إن ربي بما تعملون محيط والمراد إحاطة علمه . وهذا تعريض بالتهديد ، وأن الله يوشك أن يعاقبهم على ما علمه من أعمالهم .