إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود
بيان للتعريض وتصريح بعد تلويح . والمعنى : وكذلك أخذ ربك فاحذروه واحذروا ما هو أشد منه وهو عذاب الآخرة . والإشارة إلى الأخذ المتقدم . وفي هذا تخلص إلى موعظة المسلمين والتعريض بمدحهم بأن مثلهم من ينتفع بالآيات ويعتبر بالعبر كقوله :
وما يعقلها إلا العالمون .
[ ص: 161 ] وجعل عذاب الدنيا آية دالة على عذاب الآخرة لأن القرى الظالمة توعدها الله بعذاب الدنيا وعذاب الآخرة كما في قوله - تعالى :
وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك فلما عاينوا عذاب الدنيا كان تحققه أمارة على تحقق العذاب الآخر .
وجملة
ذلك يوم مجموع له الناس معترضة للتنويه بشأن هذا اليوم حتى أن المتكلم يبتدئ كلاما لأجل وصفه .
والإشارة بذلك إلى الآخرة لأن ماصدقها يوم القيامة ، فتذكير اسم الإشارة مراعاة لمعنى الآخرة .
واللام في ( مجموع له ) لام العلة ، أي مجموع الناس لأجله .
ومجيء الخبر جملة اسمية في الإخبار عن اليوم يدل على معنى الثبات ، أي ثابت جمع الله الناس لأجل ذلك اليوم ، فيدل على تمكن تعلق الجمع بالناس وتمكن كون ذلك الجمع لأجل اليوم حتى لقب ذلك اليوم يوم الجمع في قوله - تعالى :
يوم يجمعكم ليوم الجمع
وعطف جملة
وذلك يوم مشهود على جملة
ذلك يوم مجموع له الناس لزيادة التهويل لليوم بأنه يشهد . وطوي ذكر الفاعل إذ المراد يشهده الشاهدون ، إذ ليس القصد إلى شاهدين معينين . والإخبار عنه بهذا يؤذن بأنهم يشهدونه شهودا خاصا وهو شهود الشيء المهول ، إذ من المعلوم أن لا يقصد الإخبار عنه بمجرد كونه مرئيا لكن المراد كونه مرئيا رؤية خاصة .
ويجوز أن يكون المشهود بمعنى المحقق أي مشهود بوقوعه ، كما يقال : حق مشهود ، أي عليه شهود لا يستطاع إنكاره ، واضح للعيان .
ويجوز أن يكون المشهود بمعنى كثير الشاهدين إياه لشهرته ، كقولهم : لفلان مجلس مشهود ، كقول
أم قيس الضبية :
[ ص: 162 ] ومشهد قد كفيت النـاطـقـين بـه في محفل من نواصي الخيل مشهود
فيكون من نحو قوله - تعالى :
فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا يومئذ يود الذين كفروا الآية .
وجملة
وما نؤخره إلا لأجل معدود معترضة بين جملة
ذلك يوم مجموع له الناس وبين جملة
يوم يأتي لا تكلم نفس إلخ . والمقصود الرد على المنكرين للبعث مستدلين بتأخير وقوعه في حين تكذيبهم به يحسبون أن تكذيبهم به يغيظ الله - تعالى - فيعجله لهم جهلا منهم بمقام الإلهية فبين الله لهم أن تأخيره إلى أجل حدده الله له من يوم خلق العالم كما حدد آجال الأحياء ، فيكون هذا كقوله - تعالى :
ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون .
والأجل : أصله المدة المنظر إليها في أمر ، ويطلق أيضا على نهاية تلك المدة ، وهو المراد هنا بقرينة اللام ، كما أريد في قوله - تعالى :
فإذا جاء أجلهم .
والمعدود : أصله المحسوب ، وأطلق هنا كناية عن المعين المضبوط بحيث لا يتأخر ولا يتقدم لأن المعدود يلزمه التعين ، أو كناية عن القرب .