ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه
اعتراض لتثبيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وتسليته بأن أهل الكتاب وهم أحسن حالا من أهل الشرك قد أوتوا الكتاب فاختلفوا فيه ، وهم أهل ملة واحدة فلا تأس من اختلاف قومك عليك ، فالجملة عطف على جملة
فلا تك في مرية
ولأجل ما فيها من معنى التثبيت فرع عليها قوله :
فاستقم كما أمرت .
وقوله : فاختلف فيه أي في الكتاب ، وهو التوراة . ومعنى الاختلاف فيه اختلاف أهل التوراة في تقرير بعضها وإبطال بعض ، وفي إظهار بعضها
[ ص: 170 ] وإخفاء بعض مثل حكم الرجم ، وفي تأويل البعض على هواهم ، وفي إلحاق أشياء بالكتاب على أنها منه ، كما قال - تعالى :
فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله . فهذا من شأنه أن يقع من بعضهم لا من جميعهم فيقتضي الاختلاف بينهم بين مثبت وناف ، وهذا الاختلاف بأنواعه وأحواله يرجع إلى الاختلاف في شيء من الكتاب . فجمعت هذه المعاني جمعا بديعا في تعدية الاختلاف بحرف ( في ) الدالة على الظرفية المجازية وهي كالملابسة ، أي فاختلف اختلافا يلابسه ، أي يلابس الكتاب .
ولأن الغرض لم يكن متعلقا ببيان المختلفين ولا بذمهم لأن منهم المذموم وهم الذين أقدموا على إدخال الاختلاف ، ومنهم المحمود وهم المنكرون على المبدلين كما قال - تعالى :
منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون وسيجيء قوله :
وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم ، بل كان للتحذير من الوقوع في مثله .
بني فعل ( اختلف ) للمجهول إذ لا غرض إلا في ذكر الفعل لا في فاعله .