ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم
يجوز أن يكون عطفا على جملة
وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص ويكون الاعتراض تم عند قوله : ( فاختلف فيه ) ، وعليه فضمير ( بينهم ) عائد إلى اسم الإشارة من قوله :
مما يعبد هؤلاء أي ولولا ما سبق
من حكمة الله أن يؤخر عنهم العذاب لقضي بينهم ، أي لقضى الله بينهم ، فأهلك المشركين والمخالفين ونصر المؤمنين .
فيكون ( بينهم ) هو نائب فاعل ( قضي ) . والتقدير : لوقع العذاب بينهم ، أي فيهم .
[ ص: 171 ] ويجوز أن يكون عطفا على جملة ( فاختلف فيه ) فيكون ضمير ( بينهم ) عائدا إلى ما يفهم من قوله : فاختلف فيه لأنه يقتضي جماعة مختلفين في أحكام الكتاب ، ويكون ( بينهم ) متعلقا بـ ( قضي ) ، أي لحكم بينهم بإظهار المصيب من المخطئ في أحكام الكتاب فيكون تحذيرا من الاختلاف ، أي أنه إن وقع أمهل الله المختلفين فتركهم في شك . وليس من سنة الله أن يقضي بين المختلفين فيوقفهم على تمييز المحق من المبطل ، أي فعليكم بالحذر من الاختلاف في كتابكم فإنكم إن اختلفتم بقيتم في شك ولحقكم جزاء أعمالكم .
و ( الكلمة ) هي
إرادة الله الأزلية وسنته في خلقه . وهي أنه وكل الناس إلى إرشاد الرسل للدعوة إلى الله ، وإلى النظر في الآيات ، ثم إلى بذل الاجتهاد التام في إصابة الحق ، والسعي إلى الاتفاق ونبذ الخلاف بصرف الأفهام السديدة إلى المعاني ، وبالمراجعة فيما بينهم ، والتبصر في الحق ، والإنصاف في الجدل والاستدلال ، وأن يجعلوا الحق غايتهم والاجتهاد دأبهم وهجيراهم . وحكمة ذلك هي أن الفصل
والاهتداء إلى الحق مصلحة للناس ومنفعة لهم لا لله . وتمام المصلحة في ذلك يحصل بأن يبذلوا اجتهادهم ويستعملوا أنظارهم لأن ذلك وسيلة إلى زيادة تعقلهم وتفكيرهم . وقد تقدم في قوله - تعالى :
وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا في سورة الأنعام وقوله :
ويريد الله أن يحق الحق بكلماته في سورة الأنفال .
ووصفها بالسبق لأنها أزلية ، باعتبار تعلق العلم بوقوعها ، وبأنها ترجع إلى سنة كلية تقررت من قبل .
ومعنى لقضي بينهم أنه قضاء استئصال المبطل واستبقاء المحق ، كما قضى الله بين الرسل والمكذبين ، ولكن إرادة الله اقتضت خلاف ذلك بالنسبة إلى فهم الأمة كتابها .
وضمير ( بينهم ) يعود إلى المختلفين المفاد من قوله : فاختلف فيه والقرينة واضحة .
[ ص: 172 ] ومتعلق القضاء محذوف لظهوره ، أي لقضي بينهم فيما اختلفوا فيه كما قال في الآية الأخرى
إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون