[ ص: 230 ] قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون
فصل جملة ( قال ) جار على طريقة المحاورة .
أظهر لهم سبب امتناعه من خروج
يوسف - عليه السلام - معهم إلى الريف بأنه يحزنه لبعده عنه أياما ، وبأنه يخشى عليه الذئاب ، إذ كان
يوسف - عليه السلام - حينئذ غلاما ، وكان قد ربي في دعة فلم يكن مرنا بمقاومة الوحوش ، والذئاب تجترئ على الذي تحس منه ضعفا في دفاعها . قال
الربيع بن ضبع الفزاري يشكو ضعف الشيخوخة :
والذئب أخشاه إن مـررت بـه وحدي وأخشى الرياح والمطرا
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق يذكر ذئبا :
فقلت له لما تكشر ضاحكـا وقائم سيفي من يدي بمـكـان
تعش فإن عاهدتني لا تخوننـي نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
فذئاب بادية
الشام كانت أشد خبثا من بقية الذئاب ، ولعلها كانت كذئاب بلاد
الروس . والعرب يقولون : إن الذئب إذا حورب ودافع عن نفسه حتى عض الإنسان وأسال دمه أنه يضرى حين يرى الدم فيستأسد على الإنسان ، قال :
فكنت كذئب السوء حين رأى دما بصاحبه يوما أحال على الـدم
وقد يتجمع سرب من الذئاب فتكون أشد خطرا على الواحد من الناس والصغير .
[ ص: 231 ] والتعريف في الذئب تعريف الحقيقة والطبيعة ، ويسمى تعريف الجنس . وهو هنا مراد به غير معين من نوع الذئب أو جماعة منه ، وليس الحكم على الجنس بقرينة أن الأكل من أحوال الذوات لا من أحوال الجنس ، لكن المراد أية ذات من هذا الجنس دون تعيين . ونظيره قوله - تعالى :
كمثل الحمار يحمل أسفارا أي فرد من الحمير غير معين ، وقرينة إرادة الفرد دون الجنس إسناد حمل الأسفار إليه لأن الجنس لا يحمل . ومنه قولهم : " ادخل السوق " إذا أردت فردا من الأسواق غير معين ، وقولك : ادخل ، قرينة على ما ذكر . وهذا التعريف شبيه بالنكرة في المعنى إلا أنه مراد به فرد من الجنس . وقريب من هذا التعريف باللام التعريف بعلم الجنس ، والفرق بين هذه اللام وبين المنكر كالفرق بين علم الجنس والنكرة .
فالمعنى : أخاف أن يأكله الذئب ، أي يقتله فيأكل منه فإنكم تبعدون عنه ، لما يعلم من إمعانهم في اللعب والشغل باللهو والمسابقة ، فتجترئ الذئاب على
يوسف - عليه السلام - .
والذئب : حيوان من الفصيلة الكلبية ، وهو كلب بري وحشي . من خلقه الاحتيال والنفور . وهو يفترس الغنم . وإذا قاتل الإنسان فجرحه ورأى عليه الدم ضرى به فربما مزقه .
وإنما ذكر
يعقوب - عليه السلام - أن ذهابهم به غدا يحدث به حزنا مستقبلا ليصرفهم عن الإلحاح في طلب الخروج به لأن شأن الابن البار أن يتقي ما يحزن أباه .
[ ص: 232 ] وتأكيد الجملة بحرف التأكيد لقطع إلحاحهم بتحقيق أن حزنه لفراقه ثابت ، تنزيلا لهم منزلة من ينكر ذلك ، إذ رأى إلحاحهم . ويسري التأكيد إلى جملة
وأخاف أن يأكله الذئب .
فأبوا إلا المراجعة قالوا
لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون .
واللام في لئن أكله موطئة للقسم ، أرادوا تأكيد الجواب باللام وإن ولام الابتداء وإذن الجوابية تحقيقا لحصول خسرانهم على تقدير حصول الشرط . والمراد : الكناية عن عدم تفريطهم فيه وعن حفظهم إياه لأن المرء لا يرضى أن يوصف بالخسران .
والمراد بالخسران : انتفاء النفع المرجو من الرجال ، استعاروا له انتفاء نفع التاجر من تجره ، وهو خيبة مذمومة ، أي إنا إذن لمسلوبون من صفات الفتوة من قوة ومقدرة ويقظة . فكونهم عصبة يحول دون تواطيهم على ما يوجب الخسران لجميعهم . وتقدم معنى العصبة آنفا . وفي هذا عبرة من مقدار إظهار الصلاح مع استبطان الضر والإهلاك .
وقرأ الجمهور بتحقيق همزة الذئب على الأصل . وقرأه
nindex.php?page=showalam&ids=17274ورش عن
نافع ،
والسوسي عن
أبي عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي بتخفيف الهمزة ياء . وفي بعض التفاسير نسب تخفيف الهمزة إلى
خلف ،
وأبي جعفر ، وذلك لا يعرف في كتب القراءات . وفي
البيضاوي أن
أبا عمرو أظهر الهمزة في التوقف ، وأن
حمزة أظهرها في الوصل .