قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون
حرف الإضراب إبطال لدعواهم أن الذئب أكله فقد صرح لهم بكذبهم .
والتسويل : التسهيل وتزيين النفس ما تحرص على حصوله .
والإبهام الذي في كلمة ( أمرا ) يحتمل عدة أشياء مما يمكن أن يؤذوا به
[ ص: 239 ] يوسف - عليه السلام : من قتل ، أو بيع ، أو تغريب ؛ لأنه لم يعلم تعيين ما فعلوه . وتنكير ( أمرا ) للتهويل .
وفرع على ذلك إنشاء التصبر
فصبر جميل نائب مناب اصبر صبرا جميلا . عدل به عن النصب إلى الرفع للدلالة على الثبات والدوام ، كما تقدم عند قوله - تعالى :
قالوا سلاما قال سلام في سورة هود . ويكون ذلك اعتراضا في أثناء خطاب أبنائه ، أو يكون تقدير : اصبر صبرا جميلا ، على أنه خطاب لنفسه . ويجوز أن يكون صبر جميل خبر مبتدأ محذوف دل عليه السياق ، أي فأمري صبر . أو مبتدأ خبره محذوف كذلك . والمعنى على الإنشاء أوقع ، وتقدم الصبر عند قوله - تعالى :
واستعينوا بالصبر والصلاة في سورة البقرة .
ووصف جميل يحتمل أن يكون وصفا كاشفا إذ الصبر كله حسن دون الجزع . كما قال
إبراهيم بن كنيف النبهاني :
تصبر فإن الصبر بالحر أجمل وليس على ريب الزمان معول
أي : أجمل من الجزع .
ويحتمل أن يكون وصفا مخصصا . وقد فسر الصبر الجميل بالذي لا يخالطه جزع .
والجمال : حسن الشيء في صفات محاسن صنفه ، فجمال الصبر أحسن أحواله ، وهو أن لا يقارنه شيء يقلل خصائص ماهيته .
وفي الحديث الصحيح
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341981أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - مر بامرأة تبكي عند قبر فقال لها : اتقي الله واصبري ، فقالت : إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي - ولم تعرفه - فلما انصرف مر بها رجل ، فقال لها : إنه النبيء - صلى الله عليه وسلم . فأتت باب النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 240 ] فقالت : لم أعرفك يا رسول الله ، فقال : إنما الصبر عند الصدمة الأولى ، أي الصبر الكامل .
وقوله :
والله المستعان على ما تصفون عطف على جملة
فصبر جميل فتكون محتملة للمعنيين المذكورين من إنشاء الاستعانة أو الإخبار بحصول استعانته بالله على تحمل الصبر على ذلك ، أو أراد الاستعانة بالله
ليوسف - عليه السلام - على الخلاص مما أحاط به .
والتعبير عما أصاب
يوسف - عليه السلام - بما تصفون في غاية البلاغة لأنه كان واثقا بأنهم كاذبون في الصفة وواثقا بأنهم ألحقوا
بيوسف - عليه السلام - ضرا فلما لم يتعين عنده المصاب أجمل التعبير عنه إجمالا موجها لأنهم يحسبون أن ما يصفونه هو موته بأكل الذئب إياه
ويعقوب - عليه السلام - يريد أن ما يصفونه هو المصاب الواقع الذي وصفوه وصفا كاذبا . فهو قريب من قوله - تعالى :
سبحان ربك رب العزة عما يصفون .
وإنما فوض
يعقوب - عليه السلام - الأمر إلى الله ولم يسع للكشف عن مصير
يوسف - عليه السلام - لأنه علم تعذر ذلك عليه لكبر سنه ، ولأنه لا عضد له يستعين به على أبنائه أولئك . وقد صاروا هم الساعين في البعد بينه وبين
يوسف - عليه السلام - ، فأيس من استطاعة الكشف عن
يوسف - عليه السلام - بدونهم ، ألا ترى أنه لما وجد منهم فرصة قال لهم
اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه .