[ ص: 241 ] وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشراي هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون
عطف على
وجاءوا أباهم عشاء يبكون عطف قصة على قصة . وهذا رجوع إلى ما جرى في شأن
يوسف - عليه السلام - ، والمعنى : وجاءت الجب .
و
السيارة تقدم آنفا .
والوارد : الذي يرد الماء ليستقي للقوم .
والإدلاء : إرسال الدلو في البئر لنزع الماء .
والدلو : ظرف كبير من جلد مخيط له خرطوم في أسفله يكون مطويا على ظاهر الظرف بسبب شده بحبل مقارن للحبل المعلقة فيه الدلو . والدلو مؤنثة .
وجملة " قال يا بشراي " مستأنفة استئنافا بيانيا لأن ذكر إدلاء الدلو يهيئ السامع للسؤال عما جرى حينئذ فيقع جوابه " قال يا بشراي " .
والبشرى : تقدمت في قوله - تعالى :
لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة في سورة يونس .
ونداء البشرى مجاز ؛ لأن البشرى لا تنادى ، ولكنها شبهت بالعاقل الغائب الذي احتيج إليه فينادى كأنه يقال له : هذا آن حضورك . ومنه : يا حسرتا ، وياعجبا ، فهي مكنية وحرف النداء تخييل أو تبعية .
والمعنى : أنه فرح وابتهج بالعثور على غلام .
وقرأ الجمهور " يا بشراي " بإضافة البشرى إلى ياء المتكلم . وقرأ
عاصم ، وحمزة ، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ، وخلف بدون إضافة .
[ ص: 242 ] واسم الإشارة عائد إلى ذات
يوسف - عليه السلام - ؛ خاطب الوارد بقية السيارة ، ولم يكونوا يرون ذات
يوسف - عليه السلام - حين أصعده الوارد من الجب ، إذ لو كانوا يرونه لما كانت فائدة لتعريفهم بأنه غلام إذ المشاهدة كافية عن الإعلام ، فتعين أيضا أنهم لم يكونوا مشاهدين شبح
يوسف - عليه السلام - حين ظهر من الجب ، فالظاهر أن اسم الإشارة في مثل هذا المقام لا يقصد به الدلالة على ذات معينة مرئية بل يقصد به إشعار السامع بأنه قد حصل شيء فرح به غير مترقب ، كما يقول الصائد لرفاقه : هذا غزال ! وكما يقول الغائص : هذه صدفة ! أو لؤلؤة ! ويقول الحافر للبئر : هذا الماء ! قال
النابغة يصف الصائد وكلابه وفرسه :
يقول راكبه الجني مرتفقـا هذا لكن ولحم الشاة محجور
وكان الغائصون إذا وجدوا لؤلؤة يصيحون . قال
النابغة :
أو درة صدفاته غواصهـا بهج متى يرها يهل ويسجد
والمعنى : وجدت في البئر غلاما ، فهو لقطة ، فيكون عبدا لمن التقطه . وذلك سبب ابتهاجه بقوله : "
يا بشراي هذا غلام " .
والغلام : من سنه بين العشر والعشرين . وكان سن
يوسف - عليه السلام - يومئذ سبع عشرة سنة .
وكان هؤلاء السيارة من الإسماعيلين كما في التوراة ، أي أبناء
إسماعيل بن إبراهيم . وقيل : كانوا من أهل
مدين وكان مجيئهم الجب للاستقاء منها ، ولم يشعر بهم إخوة
يوسف إذ كانوا قد ابتعدوا عن الجب .
ومعنى أسروه أخفوه . والضمير للسيارة لا محالة ، أي أخفوا
يوسف - عليه السلام - ، أي خبر التقاطه خشية أن يكون من ولدان بعض الأحياء القريبة من الماء قد تردى في الجب ، فإذا علم أهله بخبره طلبوه وانتزعوه
[ ص: 243 ] منهم لأنهم توسموا منه مخائل أبناء البيوت ، وكان الشأن أن يعرفوا من كان قريبا من ذلك الجب ويعلنوا كما هو الشأن في التعريف باللقطة ، ولذلك كان قوله :
وأسروه بأن
يوسف - عليه السلام - أخبرهم بقصته ، فأعرضوا عن ذلك طمعا في أن يبيعوه . وذلك من فقدان الدين بينهم أو لعدم العمل بالدين .
و
بضاعة منصوب على الحال المقدرة من الضمير المنصوب في أسروه ، أي جعلوه بضاعة . والبضاعة : عروض التجارة ومتاعها ، أي عزموا على بيعه .
وجملة
والله عليم بما يعملون معترضة ، أي والله عليم بما يعملون من استرقاق من ليس لهم حق في استرقاقه ، ومن كان حقه أن يسألوا عن قومه ويبلغوه إليهم ؛ لأنهم قد علموا خبره ، أو كان من حقهم أن يسألوه لأنه كان مستطيعا أن يخبرهم بخبره .
وفي عثور السيارة على الجب الذي فيه
يوسف - عليه السلام - آية من لطف الله به .