وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين
النسوة : اسم جمع امرأة لا مفرد له ، وهو اسم جمع قلة مثله نساء . وتقدم في قوله - تعالى :
ونساءنا ونساءكم في سورة آل عمران .
وقوله :
في المدينة صفة لنسوة . والمقصود من ذكر هذه الصفة أنهن كن متفرقات في ديار من المدينة . وهذه المدينة هي قاعدة
مصر السفلى
[ ص: 260 ] وهي مدينة (
منفيس ) حيث كان قصر العزيز ، فنقل الخبر في بيوت المتصلين ببيت العزيز . وقيل : إن امرأة العزيز باحت بالسر لبعض خلائلها فأفشينه كأنها أرادت التشاور معهن ، أو أرادت الارتياح بالحديث إليهن " ومن أحب شيئا أكثر من ذكره " . وهذا الذي يقتضيه قوله :
وأعتدت لهن متكأ وقوله :
ولئن لم يفعل
والفتى : الذي في سن الشباب ، ويكنى به عن المملوك وعن الخادم كما يكنى بالغلام والجارية وهو المراد هنا . وإضافته إلى ضمير
امرأة العزيز لأنه غلام زوجها فهو غلام لها بالتبع ما دامت زوجة لمالكه .
وشغف : فعل مشتق من اسم جامد ، وهو الشغاف بكسر الشين المعجمة وهو غلاف القلب . وهذا الفعل مثل كبده ورآه وجبهه ، إذا أصاب كبده ورئته وجبهته .
والضمير المستتر في
شغفها لـ
فتاها . ولما فيه من الإجمال جيء بالتمييز للنسبة بقوله :
حبا . وأصله شغفها حبه ، أي أصاب حبه شغافها ، أي اخترق الشغاف فبلغ القلب ، كناية عن التمكن .
وتذكير الفعل في
وقال نسوة لأن الفعل المسند إلى ألفاظ الجموع غير الجمع المذكر السالم يجوز تجريده من التاء باعتبار الجمع ، وقرنه بالتاء باعتبار الجماعة مثل
وجاءت سيارة
وأما الهاء التي في آخر
نسوة فليست علامة تأنيث بل هي هاء فعلة جمع تكسير ، مثل صبية وغلمة .
وقد تقدم وجه تسمية الذي اشترى
يوسف - عليه السلام - باسم العزيز عند قوله - تعالى :
وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته . وتقدم ذكر اسمه واسمها في العربية وفي العبرانية .
[ ص: 261 ] ومجيء
تراود بصيغة المضارع مع كون المراودة مضت لقصد استحضار الحالة العجيبة لقصد الإنكار عليها في أنفسهن ولومها على صنيعها . ونظيره في استحضار الحالة قوله - تعالى :
يجادلنا في قوم لوط
وجملة
قد شغفها حبا في موضع التعليل لجملة
تراود فتاها
وجملة
إنا لنراها في ضلال مبين استئناف ابتدائي لإظهار اللوم والإنكار عليها . والتأكيد بـ " إن " واللام لتحقيق اعتقادهن ذلك ، وإبعادا لتهمتهن بأنهن يحسدنها على ذلك الفتى .
والضلال هنا : مخالفة طريق الصواب ، أي هي مفتونة العقل بحب هذا الفتى ، وليس المراد الضلال الديني . وهذا كقوله - تعالى - آنفا
إن أبانا لفي ضلال مبين