يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان
افتتح خطابهما بالنداء اهتماما بما يلقيه إليهما من التعبير ، وخاطبهما بوصف
صاحبي السجن أيضا .
ثم إذا كان الكلام المحكي عن
يوسف - عليه السلام - في الآية صدر منه على نحو النظم الذي نظم به في الآية وهو الظاهر كان جمع التأويل في عبارة واحدة مجملة ؛ لأن في تأويل إحدى الرؤيتين ما يسوء صاحبها قصدا لتلقيه ما يسوء بعد تأمل قليل كيلا يفجأه من أول الكلام ، فإنه بعد التأمل يعلم أن الذي يسقي ربه خمرا هو رائي عصر الخمر ، وأن الذي تأكل الطير من رأسه هو رائي أكل الطير من خبز على رأسه .
[ ص: 278 ] وإذا كان نظم الآية على غير ما صدر من
يوسف - عليه السلام - كان في الآية إيجاز لحكاية كلام
يوسف - عليه السلام - ، وكان كلاما معينا فيه كل من الفتيين بأن قال : أما أنت فكيت وكيت ، وأما أنت فكيت وكيت ، فحكي في الآية بالمعنى .
وجملة
قضي الأمر الذي فيه تستفتيان تحقيق لما دلت عليه الرؤيا ، وأن تعبيرها هو ما أخبرهما به فإنهما يستفتيان في دلالة الرؤيا على ما سيكون في شأن سجنهما لأن ذلك أكبر همهما ، فالمراد بالأمر تعبير رؤياهما .
والاستفتاء : مصدر استفتى إذا طلب الإفتاء . وهو : الإخبار بإزالة مشكل ، أو إرشاد إلى إزالة حيرة . وفعله أفتى ملازم للهمز ولم يسمع له فعل مجرد ، فدل ذلك على أن همزه في الأصل مجتلب لمعنى ، قالوا : أصل اشتقاق أفتى من الفتى وهو الشاب ، فكأن الذي يفتيه يقوي نهجه ببيانه فيصير بقوة بيانه فتيا أي قويا . واسم الخبر الصادر من المفتي : فتوى بفتح الفاء وبضمها مع الواو مقصورا ، وبضم الفاء مع الياء مقصورا .