يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون
الخطاب بالنداء مؤذن بقول محذوف في الكلام ، وأنه من قول الذي نجا وادكر بعد أمة . وحذف من الكلام ذكر إرساله ومشيه ووصوله ، إذ لا غرض فيه من القصة . وهذا من بديع الإيجاز .
والصديق : أصله صفة مبالغة مشتقة من الصدق ، كما تقدم عند قوله - تعالى :
وأمه صديقة في سورة العقود ، وغلب استعمال وصف الصديق استعمال اللقب الجامع لمعاني الكمال واستقامة السلوك في طاعة الله - تعالى - ؛ لأن تلك المعاني لا تجتمع إلا لمن قوي صدقه في الوفاء بعهد الدين .
وأحسن ما رأيت في هذا المعنى كلمة
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن قال : " الصديقون هم دوين الأنبياء " . وهذا ما يشهد به استعمال القرآن في آيات كثيرة مثل قوله :
فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين الآية ، وقوله :
وأمه صديقة . ومنه ما لقب النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر بالصديق في قوله في حديث رجف
جبل أحد nindex.php?page=hadith&LINKID=10341985اسكن أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان . من أجل ذلك أجمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنهم
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - على
أن أبا بكر - رضي الله عنه - أفضل الأمة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم . وقد جمع الله هذا الوصف مع صفة النبوة في قوله :
واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا في سورة مريم .
[ ص: 285 ] وقد يطلق الصديق على أصل وصفه ، كما في قوله - تعالى :
والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون على أحد تأويلين فيها .
فهذا الذي استفتى
يوسف - عليه السلام - في رؤيا الملك وصف في كلامه
يوسف - عليه السلام - بمعنى يدل عليه وصف الصديق في اللسان العربي ، وإنما وصفه به عن خبرة وتجربة اكتسبها من مخالطة
يوسف - عليه السلام - في السجن .
فضم ما ذكرناه هنا إلى ما تقدم عند قوله - تعالى :
وأمه صديقة في سورة العقود ، وإلى قوله :
مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين في سورة النساء .
وإعادة العبارات المحكية عن الملك بعينها إشارة إلى أنه بلغ السؤال كما تلقاه ، وذلك تمام أمانة الناقل .
والناس تقدم في قوله :
ومن الناس من يقول آمنا بالله في سورة البقرة .
والمراد بـ الناس بعضهم ، كقوله - تعالى :
الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم . والناس هنا هم الملك وأهل مجلسه ؛ لأن تأويل تلك الرؤيا يهمهم جميعا ليعلم الملك تأويل رؤياه ويعلم أهل مجلسه أن ما عجزوا عن تأويله قد علمه من هو أعلم منهم . وهذا وجه قوله :
لعلهم يعلمون مع حذف معمول ( يعلمون ) لأن كل أحد يعلم ما يفيده علمه .