قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين
جملة
قال ما خطبكن مستأنفة استئنافا بيانيا لأن الجمل التي سبقتها تثير سؤالا في نفس السامع عما حصل من الملك لما أبلغ إليه اقتراح
يوسف [ ص: 290 ] - عليه السلام - مع شدة تشوقه إلى حضوره بين يديه ، أي قال الملك للنسوة .
ووقوع هذا بعد جملة
ارجع إلى ربك إلى آخرها مؤذن بكلام محذوف ، تقديره : فرجع فأخبر الملك فأحضر الملك النسوة اللائي كانت جمعتهن
امرأة العزيز لما أعتدت لهن متكئا فقال لهن
ما خطبكن إلى آخره .
وأسندت المراودة إلى ضمير النسوة لوقوعها من بعضهن غير معين ، أو لأن القالة التي شاعت في المدينة كانت مخلوطة ظنا أن المراودة وقعت في مجلس المتكأ .
والخطب : الشأن المهم من حالة أو حادثة . قيل : سمي خطبا لأنه يقتضي أن يخاطب المرء صاحبه بالتساؤل عنه . وقيل : هو مأخوذ من الخطبة . أي يخطب فيه . وإنما تكون الخطبة في أمر عظيم ، فأصله مصدر بمعنى المفعول ، أي مخطوب فيه .
وجملة ( قلن ) مفصولة لأجل كونها حكاية جواب عن كلام الملك . أي قالت النسوة عدا
امرأة العزيز ، بقرينة قوله بعد
قالت امرأة العزيز
و
حاش لله مبالغة في النفي والتنزيه . والمقصود : التبرؤ مما نسب إليهن من المراودة . وقد تقدم تفسيرها آنفا واختلاف القراء فيها .
وجملة
ما علمنا عليه من سوء مبينة لإجمال النفي الذي في
حاش لله . وهي جامعة لنفي مراودتهن إياه ومراودته إياهن لأن الحالتين من أحوال السوء .
ونفي علمهن ذلك كناية عن نفي دعوتهن إياه إلى السوء ونفي دعوته إياهن إليه ؛ لأن ذلك لو وقع لكان معلوما عندهن ، ثم إنهن لم يزدن في الشهادة على ما يتعلق بسؤال الملك فلم يتعرضن لإقرار
امرأة العزيز في مجلسهن بأنها راودته
[ ص: 291 ] عن نفسه فاستعصم ، خشية منها ، أو مودة لها ، فاقتصرن على جواب ما سئلن عنه .
وهذا يدل على كلام محذوف وهو أن
امرأة العزيز كانت من جملة النسوة اللائي أحضرهن الملك . ولم يشملها قول
يوسف - عليه السلام :
ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن لأنها لم تقطع يدها معهن ، ولكن شملها كلام الملك إذ قال
إذ راودتن يوسف عن نفسه فإن المراودة إنما وقعت من
امرأة العزيز دون النسوة اللاتي أعدت لهن متكئا ، ففي الكلام إيجاز حذف .
وجملة
قالت امرأة العزيز مفصولة لأنها حكاية جواب عن سؤال الملك .
والآن : ظرف للزمان الحاضر . وقد تقدم عند قوله - تعالى :
الآن خفف الله عنكم في سورة الأنفال .
وحصحص : ثبت واستقر .
والحق : هو براءة
يوسف - عليه السلام - مما رمته به
امرأة العزيز . وإنما ثبت حينئذ لأنه كان محل قيل وقال وشك ، فزال ذلك باعترافها بما وقع .
والتعبير بالماضي مع أنه لم يثبت إلا من إقرارها الذي لم يسبق لأنه قريب الوقوع فهو لتقريب زمن الحال من المضي .
ويجوز أن يكون المراد ثبوت الحق بقول النسوة
ما علمنا عليه من سوء فيكون الماضي على حقيقته . وتقديم اسم الزمان للدلالة على الاختصاص ، أي الآن لا قبله لدلالة على أن ما قبل ذلك الزمان كان زمن باطل وهو زمن تهمة
يوسف - عليه السلام - بالمراودة ، فالقصر قصر تعيين إذ كان الملك لا يدري أي الوقتين وقت الصدق أهو وقت اعتراف النسوة بنزاهة
يوسف - عليه السلام - أم هو وقت رمي
امرأة العزيز إياه بالمراودة .
[ ص: 292 ] وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي في جملة
أنا راودته للقصر ، لإبطال أن يكون النسوة راودن . فهذا إقرار منها على نفسها ، وشهادة لغيرها بالبراءة ، وزادت فأكدت صدقه بـ " إن " واللام .
وصيغة
من الصادقين كما تقدم في نظائرها ، منها قوله - تعالى :
قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين في سورة الأنعام .