[ ص: 63 ] وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون عطف على جملة
وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ، أي ليس إعراضهم عن آية حصول العلم للأمي بما في الكتب السالفة فحسب بل هم معرضون عن آيات كثيرة في السماوات والأرض .
و ( كأين ) اسم يدل على كثرة العدد المبهم يبينه تمييز مجرور بـ ( من ) ، وقد تقدم عند قوله تعالى
وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير في سورة آل عمران .
والآية : العلامة . والمراد هنا الدالة على وحدانية الله تعالى بقرينة ذكر الإشراك بعدها .
ومعنى
يمرون عليها يرونها ، والمرور مجاز مكني به عن التحقق والمشاهدة إذ لا يصح حمل المرور على المعنى الحقيقي بالنسبة لآيات السماوات ، فالمرور هنا كالذي في قوله تعالى
وإذا مروا باللغو مروا كراما .
وضمير ( يمرون ) عائد إلى الناس من قوله تعالى
وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين .
وجملة
وما يؤمن أكثرهم بالله في موضع الحال من ضمير ( يمرون ) أي وما يؤمن أكثر الناس إلا وهم مشركون . والمراد بـ أكثر الناس أهل الشرك من العرب . وهذا إبطال لما يزعمونه من الاعتراف بأن الله خالقهم كما في قوله تعالى ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ، وبأن إيمانهم بالله كالعدم لأنهم لا يؤمنون بوجود الله إلا في تشريكهم معه غيره في الإلهية .
والاستثناء من عموم الأحوال ، فجملة وهم مشركون حال من ( أكثرهم ) ، والمقصود من هذا تشنيع حالهم . والأظهر أن يكون هذا من قبيل تأكيد الشيء
[ ص: 64 ] بما يشبه ضده على وجه التهكم . وإسناد هذا الحكم إلى أكثرهم باعتبار أكثر أحوالهم وأقوالهم لأنهم قد تصدر عنهم أقوال خلية عن ذكر الشريك . وليس المراد أن بعضا منهم يؤمن بالله غير مشرك معه إلها آخر .