قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين استئناف ابتدائي للانتقال من الاعتبار بدلالة نزول هذه القصة للنبيء صلى الله عليه وسلم الأمي على صدق نبوءته وصدقه فيما جاء به من التوحيد إلى
[ ص: 65 ] الاعتبار بجميع ما جاء به من هذه الشريعة عن الله تعالى ، وهو المعبر عنه بالسبيل على وجه الاستعارة لإبلاغها إلى المطلوب وهو الفوز الخالد كإبلاغ الطريق إلى المكان المقصود للسائر . وهي استعارة متكررة في القرآن وفي كلام العرب .
والسبيل يؤنث كما في هذه الآية ، ويذكر أيضا كما تقدم عند قوله تعالى
وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا في سورة الأعراف . والجملة استئناف ابتدائي معترضة بين الجمل المتعاطفة .
والإشارة إلى الشريعة بتنزيل المعقول منزلة المحسوس لبلوغه من الوضوح للعقول حدا لا يخفى فيه إلا عمن لا يعد مدركا . وما في جملة
هذه سبيلي من الإبهام قد فسرته جملة
أدعو إلى الله على بصيرة .
والبصيرة : فعيلة بمعنى فاعلة ، وهي الحجة الواضحة ، والمعنى : أدعو إلى الله ببصيرة متمكنا منها . ووصف الحجة ببصيرة مجاز عقلي . والبصير : صاحب الحجة لأنه بها صار بصيرا بالحقيقة . ومثله وصف الآية بمبصرة في قوله
فلما جاءتهم آياتنا مبصرة ، وبعكسه يوصف الخفاء بالعمى كقوله
وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم .
وضمير ( أنا ) تأكيد للضمير المستتر في ( أدعو ) . أتي به لتحسين العطف بقوله
ومن اتبعني ، وهو تحسين واجب في اللغة .
وفي الآية دلالة على أن أصحاب النبيء صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الذين آمنوا به مأمورون بأن يدعوا إلى الإيمان بما يستطيعون . وقد قاموا بذلك
[ ص: 66 ] بوسائل بث القرآن وأركان الإسلام والجهاد في سبيل الله . وقد كانت
الدعوة إلى الإسلام في صدر زمان البعثة المحمدية واجبا على الأعيان لقول النبيء صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341992بلغوا عني ولو آية أي بقدر الاستطاعة . ثم لما ظهر الإسلام وبلغت دعوته الأسماع صارت الدعوة إليه واجبا على الكفاية كما دل عليه قوله تعالى
ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير الآية في سورة آل عمران .
وعطفت جملة وسبحان الله على جملة
أدعو إلى الله ، أي أدعو إلى الله وأنزهه . وسبحان : مصدر التسبيح جاء بدلا عن الفعل للمبالغة .
والتقدير : وأسبح الله سبحانا ، أي أدعو الناس إلى توحيده وطاعته وأنزهه عن النقائص التي يشرك بها المشركون من ادعاء الشركاء ، والولد ، والصاحبة .
وجملة وما أنا من المشركين بمنزلة التذييل لما قبلها لأنها تعم ما تضمنته .