يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون
جملة ( يغشي ) حال من ضمير ( جعل ) ، وجيء فيه بالمضارع لما يدل عليه من التجدد ; لأن جعل الأشياء المتقدم ذكرها جعل ثابت مستمر ، وأما إغشاء الليل والنهار فهو أمر متجدد كل يوم وليلة . وهذا استدلال بأعراض أحوال الأرض . وذكره مع آيات العالم السفلي في غاية الدقة العلمية ; لأن الليل والنهار من أعراض الكرة الأرضية بحسب اتجاهها إلى الشمس وليسا من أحوال السماوات إذ الشمس والكواكب لا يتغير حالها بضياء وظلمة .
وتقدم الكلام على نظير قوله
يغشي الليل النهار في أوائل سورة الأعراف .
وقرأه الجمهور بسكون الغين وتخفيف الشين مضارع أغشى . وقرأه
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ،
وأبو بكر عن
عاصم ، ويعقوب ، وخلف بتشديد الشين مضارع غشى .
[ ص: 85 ] وقوله إن في ذلك لآيات الإشارة إلى ما تقدم من قوله
الله الذي رفع السماوات إلى هنا بتأويل المذكور .
وجعل الأشياء المذكورات ظروفا لـ ( آيات ) ; لأن كل واحدة من الأمور المذكورة تتضمن آيات عظيمة يجلوها النظر الصحيح والتفكير المجرد عن الأوهام . ولذلك أجرى صفة التفكير على لفظ ( قوم ) إشارة إلى أن التفكير المتكرر المتجدد هو صفة راسخة فيهم بحيث جعلت من مقومات قوميتهم ، أي جبلتهم كما بيناه في دلالة لفظ ( قوم ) على ذلك عند قوله تعالى لآيات لقوم يعقلون في سورة البقرة .
وفي هذا إيماء إلى أن الذين نسبوا أنفسهم إلى التفكير من الطبائعيين فعللوا صدور الموجودات عن المادة ونفوا الفاعل المختار ما فكروا إلا تفكيرا قاصرا مخلوطا بالأوهام ليس ما تقتضيه جبلة العقل إذ اشتبهت عليهم العلل والمواليد بأصل الخلق والإيجاد .
وجيء في التفكير بالصيغة الدالة على التكلف وبصيغة المضارع للإشارة إلى تفكير شديد ومكرر .
والتفكير تقدم عند قوله تعالى أفلا تتفكرون في سورة الأنعام .