قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى استفهام إنكاري ، ومورد الإنكار هو وقوع الشك في وجود الله ، فقدم متعلق الشك للاهتمام به ، ولو قال : أشك في الله ، لم يكن له هذا الوقع ، مثل قول
القطامي :
أكفرا بعد رد الموت عني وبعد عطائك المائة الرتاعا
فكان أبلغ له لو أمكنه أن يقول : أبعد رد الموت عني كفر .
وعلق اسم الجلالة بالشك ، والاسم العلم يدل على الذات ، والمراد :
إنكار وقوع الشك في أهم الصفات الإلهية وهي صفة التفرد بالإلهية ، أي : صفة الوحدانية .
وأتبع اسم الجلالة بالوصف الدال على وجوده وهو وجود السماوات والأرض الدال على أن لهما خالقا حكيما لاستحالة صدور تلك المخلوقات
[ ص: 199 ] العجيبة المنظمة عن غير فاعل مختار ، وذلك معلوم بأدنى تأمل ، وذلك تأييد لإنكار وقوع الشك في انفراده بالإلهية ; لأن انفراده بالخلق يقتضي انفراده باستحقاقه عبادة مخلوقاته .
وجملة يدعوكم حال من اسم الجلالة ، أي : يدعوكم أن تنبذوا الكفر ليغفر لكم ما أسلفتم من الشرك ويدفع عنكم عذاب الاستئصال فيؤخركم في الحياة إلى أجل معتاد .
والدعاء : حقيقته النداء . فأطلق على الأمر والإرشاد مجازا ;لأن الآمر ينادي المأمور .
ويعدى فعل الدعاء إلى الشيء المدعو إليه بحرف الانتهاء غالبا وهو ( إلى ) ، نحو قوله تعالى حكاية عن مؤمن
آل فرعون ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ، قد يعدى بلام التعليل داخلة على ما جعل سببا للدعوة فإن العلة تدل على المعلول ، كقوله تعالى
وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم ، أي : دعوتهم إلى سبب المغفرة لتغفر ، أي : دعوتهم إلى الإيمان لتغفر لهم ، وهو في هذه الآية كذلك ، أي : يدعوكم إلى التوحيد ليغفر لكم من ذنوبكم .
وقد يعدى فعل الدعوة إلى المدعو إليه باللام تنزيلا للشيء الذي يدعى إلى الوصول إليه منزلة الشيء الذي لأجله يدعى ، كقول أعرابي من
بني أسد :
دعوت لما نابني مسورا فلبى فلبي يدي مسور