وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين
انتقال من الاستدلال بظواهر السماء وظواهر الأرض إلى
الاستدلال بظواهر كرة الهواء الواقعة بين السماء والأرض ، وذلك للاستدلال بفعل الرياح والمنة بما فيها من الفوائد .
والإرسال : مجاز في نقل الشيء من مكان إلى مكان ، وهذا يدل على أن الرياح مستمرة الهبوب في الكرة الهوائية ، وهي تظهر في مكان آتية إليه من مكان آخر وهكذا . . .
و لواقح حال من الرياح ، وقع هذا الحال إدماجا لإفادة معنيين كما سيأتي عن مالك رحمه الله .
و لواقح صالح لأن يكون جمع لاقح وهي : الناقة الحبلى ، واستعمل هنا استعارة للريح المشتملة على الرطوبة التي تكون سببا في نزول المطر ، كما استعمل في ضدها العقيم ضد اللاقح في قوله تعالى
إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم .
وصالح لأن يكون جمع ملقح وهو : الذي يجعل غيره لاقحا ، أي : الفحل إذا ألقح الناقة ، فإن ( فواعل ) يجيء جمع مفعل مذكر نادرا كقول
الحارث أو
ضرار النهشلي :
[ ص: 38 ] لبيك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوايح
روعي فيه جواز تأنيث المشبه به ، وهي جمع الفحول ;لأن جمع ما لا يعقل يجوز تأنيثه .
ومعنى الإلقاح أن
الرياح تلقح السحاب بالماء بتوجيه عمل الحرارة والبرودة متعاقبين فينشأ عن ذلك البخار الذي يصير ماء في الجو ثم ينزل مطرا على الأرض ، وأنها تلقح الشجر ذي الثمرة بأن تنقل إلى نوره غبرة دقيقة من نور الشجر الذكر فتصلح ثمرته أو تثبت ، وبدون ذلك لا تثبت أو لا تصلح ، وهذا هو الإبار ، وبعضه لا يحصل إلا بتعليق الطلع الذكر على الشجرة المثمرة ، وبعضه يكتفى منه بغرس شجرة ذكر في خلال شجر الثمر .
ومن بلاغة الآية إيراد هذا الوصف لإفادة كلا العملين اللذين تعملهما الرياح ، وقد فسرت الآية بهما ، واقتصر جمهور المفسرين على أنها لواقح السحاب بالمطر .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12815أبو بكر بن العربي عن
مالك أنه قال : قال الله تعالى
وأرسلنا الرياح لواقح فلقاح القمح عندي أن يحبب ويسنبل ، ولا أريد ما ييبس في أكمامه ، ولكن يحبب حتى يكون لو يبس حينئذ لم يكن فسادا لا خير فيه ، ولقاح الشجر كلها أن تثمر ثم يسقط منها ما يسقط ويثبت ما يثبت .
وفرع قوله
فأنزلنا من السماء ماء على قوله
وأرسلنا الرياح .
وقرأ
حمزة ( وأرسلنا الريح لواقح ) بإفراد ( الريح ) وجمع ( لواقح ) على إرادة الجنس والجنس له عدة أفراد .
و أسقيناكموه بمعنى جعلناه سقيا ، فالهمزة فيه للجعل ، وكثر إطلاق أسقى بمعنى سقى .
[ ص: 39 ] واستعمل الخزن هنا في معنى الخزن في قوله آنفا
وإن من شيء إلا عندنا خزائنه أي : وما أنتم له بمحافظين ومنشئين عندما تريدون .