قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين الباء في بما أغويتني للسببية ، و ( ما ) موصولة ، أي : بسبب إغوائك إياي ، أي : بسبب أن خلقتني غاويا فسأغوي الناس .
واللام في لأزينن لام قسم محذوف مراد بها التأكيد ، وهو القسم المصرح به في قوله
قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين .
[ ص: 50 ] والتزيين : التحسين ، أي : جعل الشيء زينا ، أي : حسنا . وحذف مفعول لأزينن لظهوره من المقام ، أي : لأزينن لهم الشر والسيئات فيرونها حسنة ، وأزين لهم الإقبال على الملاذ التي تشغلهم عن الواجبات ، وتقدم عند قوله تعالى زين للذين كفروا الحياة الدنيا في سورة البقرة .
والإغواء : جعلهم غاوين ، والغواية بفتح الغين : الضلال .
والمعنى : ولأضلنهم ، وإغواء الناس كلهم هو أشد أحوال غاية المغوي إذ كانت غوايته متعدية إلى إيجاد غواية غيره .
وبهذا يعلم أن قوله بما أغويتني إشارة إلى غواية يعلمها الله وهي التي جبله عليها ، فلذلك اختير لحكايتها طريقة الموصولية ، ويعلم أن كلام الشيطان هذا طفح بما في جبلته ، وليس هو تشفيا أو إغاظة ; لأن العظمة الإلهية تصده عن ذلك .
وزيادة في الأرض ; لأنها أول ما يخطر بباله عند خطور الغواية ; لاقتران الغواية بالنزول إلى الأرض الذي دل عليه قوله تعالى فاخرج منها ، أي اخرج من الجنة إلى الأرض كما جاء في الآية الأخرى قال وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ، ولأن جعل التزيين في الأرض يفيد انتشاره في جميع ما على الأرض من الذوات وأحوالها .
وضمائر : لهم ، ولأغوينهم و منهم ، لبني
آدم ; لأنه قد علم علما ألقي في وجدانه بأن
آدم - عليه السلام - ستكون له ذرية ، أو اكتسب ذلك من أخبار العالم العلوي أيام كان من أهله وملئه .
وجعل المغوين هم الأصل ، واستثنى منهم
عباد الله المخلصين لأن عزيمته منصرفة إلى الإغواء ، فهو الملحوظ ابتداء عنده ، على أن المغوين هم الأكثر ، وعكسه قوله تعالى إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك . والاستثناء لا يشعر بقلة المستثنى بالنسبة للمستثنى منه ، ولا العكس .
[ ص: 51 ] وقرئ المخلصين بفتح اللام
لنافع وحمزة وعاصم nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي على معنى الذين أخلصتهم وطهرتهم ، و بكسر اللام
لابن كثير وابن عامر وأبي عمرو ، أي : الذين أخلصوا لك في العمل .