إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين
استئناف ابتدائي ، انتقال من وعيد المجرمين إلى بشارة المتقين على عادة القرآن في التفنن .
والمتقون : الموصوفون بالتقوى . وتقدمت عند صدر سورة البقرة .
[ ص: 55 ] والجنات : جمع جنة . وقد تقدمت عند قوله تعالى أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار في أول سورة البقرة .
والعيون : جمع عين اسم لثقب أرضي يخرج منه الماء من الأرض . فقد يكون انفجارها بدون عمل الإنسان ، وأسبابه كثيرة تقدمت عند قوله تعالى وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار في سورة البقرة ، وقد يكون بفعل فاعل وهو التفجير .
وجملة ادخلوها معمولة لقول محذوف يقدر حالا من المتقين والقرينة ظاهرة . والتقدير : يقال لهم ادخلوها . والقائل هو الملائكة عند
إدخال المتقين الجنة .
والباء من بسلام للمصاحبة .
والسلام : التحية ، وتقدم في قوله وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم في سورة الأنعام .
والأمن : النجاة من الخوف .
وجملة ونزعنا ما في صدورهم من غل عطف على الخبر ، وهو في جنات وعيون ، والتقدير : إن المتقين نزعنا ما في صدورهم من غل .
والغل بكسر الغين البغض ، وتقدم في قوله تعالى
ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار في سورة الأعراف ، أي : ما كان بين بعضهم من غل في الدنيا .
و إخوانا حال ، وهو على معنى التشبيه ، أي : كالإخوان ، أي : كحال الإخوان في الدنيا .
وأول من يدخل في هذا العموم أصحاب النبيء - صلى الله عليه وسلم - فيما شجر بينهم من الحوادث الدافع إليها اختلاف الاجتهاد في إقامة مصالح
[ ص: 56 ] المسلمين ، والشدة في إقامة الحق على حسب اجتهادهم ، كما روي عن
علي كرم الله وجهه أنه قال : إني لأرجو من أن أكون أنا
وطلحة ممن قال الله تعالى
ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا ، فقال جاهل من شيعة
علي اسمه (
الحارث بن الأعور الهمذاني ) : كلا ، الله أعدل من أن يجمعك
وطلحة في مكان واحد . فقال
علي : ( فلمن هذه الآية لا أم لك بفيك التراب ) .
والسرر : جمع سرير ، وهو محمل كالكرسي متسع يمكن الاضطجاع عليه ، والاتكاء : مجلس أصحاب الدعة والرفاهية لتمكن الجالس عليه من التقلب كيف شاء حتى إذا مل جلسة انقلب لغيرها .
والتقابل : كون الواحد قبالة غيره ، وهو أدخل في التأنس بالرؤية والمحادثة .
والمس : كناية عن الإصابة .
والنصب : التعب الناشئ عن استعمال الجهد .