أتى أمر الله فلا تستعجلوه
لما كان معظم أغراض هذه السورة زجر المشركين عن الإشراك وتوابعه ، وإنذارهم بسوء عاقبة ذلك ، وكان قد تكرر وعيدهم من قبل في آيات كثيرة بيوم يكون الفارق بين الحق والباطل فتزول فيه شوكتهم وتذهب شدتهم ، وكانوا قد استبطئوا ذلك اليوم حتى اطمأنوا أنه غير واقع ; فصاروا يهزءون بالنبيء - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين فيستعجلون حلول ذلك اليوم .
صدرت السورة بالوعيد المصوغ في صورة الخبر بأن قد حل ذلك المتوعد به ، فجيء بالماضي المراد به المستقبل المحقق الوقوع بقرينة تفريع (
فلا تستعجلوه ) ; لأن النهي عن استعجال حلول ذلك اليوم يقتضي أنه لما يحل بعد .
والأمر : مصدر بمعنى المفعول ، كالوعد بمعنى الموعود ، أي ما أمر الله به ، والمراد من الأمر به تقديره ، وإرادة حصوله في الأجل المسمى الذي تقتضيه الحكمة .
[ ص: 97 ] وفي التعبير عنه بأمر الله إبهام يفيد تهويله وعظمته ;لإضافته لمن لا يعظم عليه شيء ، وقد عبر عنه تارات بوعد الله ومرات بأجل الله ونحو ذلك .
والخطاب للمشركين ابتداء ; لأن استعجال العذاب من خصالهم ، قال تعالى
ويستعجلونك بالعذاب .
ويجوز أن يكون شاملا للمؤمنين ; لأن عذاب الله - وإن كان الكافرون يستعجلون به تهكما لظنهم أنه غير آت - فإن المؤمنين يضمرون في نفوسهم استبطاءه ، ويحبون تعجيله للكافرين .
فجملة
فلا تستعجلوه تفريع على
أتى أمر الله وهي من المقصود بالإنذار .
والاستعجال : طلب تعجيل حصول شيء ، فمفعوله هو الذي يقع التعجيل به ، ويتعدى الفعل إلى أكثر من واحد بالباء فقالوا : استعجل بكذا . وقد مضى في سورة الأنعام قوله تعالى
ما عندي ما تستعجلون به .
فضمير تستعجلوه إما عائد إلى الله تعالى ، أي فلا تستعجلوا الله ، وحذف المتعلق بـ ( تستعجلوه ) ; لدلالة قوله
أتى أمر الله عليه ، والتقدير : فلا تستعجلوا الله بأمره ، على نحو قوله تعالى
سأريكم آياتي فلا تستعجلون .
وقيل الضمير عائد إلى أمر الله ، وعليه تكون تعدية فعل الاستعجال إليه على نزع الخافض .
والمراد من النهي هنا دقيق ، لم يذكروه في موارد صيغ النهي ، ويجدر أن يكون للتسوية كما ترد صيغة الأمر للتسوية ، أي لا جدوى في استعجاله ; لأنه لا يعجل قبل وقته المؤجل له .