وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون آيات أخرى على دقيق صنع الله تعالى ، وعلمه ممزوجة بامتنان .
وتقدم ما يفسر هذه الآية في صدر سورة يونس ، وتسخير هذه الأشياء تقدم عند قوله تعالى
والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر في أوائل سورة الأعراف ، وفي أوائل سورة الرعد وفي سورة إبراهيم .
وهذا انتقال للاستدلال بإتقان الصنع على وحدانية الصانع وعلمه ، وإدماج بين الاستدلال والامتنان ، ونيطت الدلالات بوصف العقل ; لأن أصل العقل كاف في الاستدلال بها على الوحدانية والقدرة ، إذ هي دلائل بينة واضحة حاصلة بالمشاهدة كل يوم وليلة .
وتقدم وجه إقحام لفظ قوم آنفا ، وأن الجملة تذييل .
وقرأ الجمهور جميع هذه الأسماء منصوبة على المفعولية لفعل سخر . وقرأ
ابن عامر والشمس والقمر والنجوم بالرفع على الابتداء ، ورفع ( مسخرات ) على أنه خبر عنها ، فنكتة اختلاف الإعراب الإشارة إلى الفرق بين التسخيرين ، وقرأ
حفص برفع ( النجوم ) و ( مسخرات ) ، ونكتة اختلاف الأسلوب الفرق بين التسخيرين من حيث إن الأول واضح ، والآخر خفي لقلة من يرقب حركات النجوم .
والمراد بأمره : أمر التكوين للنظام الشمسي المعروف .
وقد أبدى
الفخر في كتاب ( درة التنزيل ) وجها للفرق بين إفراد ( آية ) في المرة الأولى والثالثة ، وبين جمع ( آيات ) في المرة الثانية : بأن ما ذكر
[ ص: 117 ] أولا وثالثا يرجع إلى ما نجم من الأرض ، فجميعه آية واحدة تابعة لخلق الأرض ، وما تحتويه ( أي وهو كله ذو حالة واحدة وهي حالة النبات في الأرض في الأول وحالة واحدة وهي حالة الذرء في التناسل في الحيوان في الآية الثالثة ) وأما ما ذكر في المرة الثانية فإنه راجع إلى اختلاف
أحوال الشمس والقمر والكواكب ، وفي كل واحد منها نظام يخصه ، ودلائل تخالف دلائل غيره ، فكان ما ذكر في ذلك مجموع آيات ( أي لأن بعضها أعراض كالليل والنهار وبعضها أجرام لها أنظمة مختلفة ودلالات متعددة ) .