والذين تدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون
عطف على جملة
أفمن يخلق كمن لا يخلق وجملة
والله يعلم ما تسرون .
وماصدق ( الذين ) الأصنام ، وظاهر أن الخطاب هنا متمحض للمشركين ، وهم بعض المخاطبين في الضمائر السابقة .
والمقصود من هذه الجملة التصريح بما استفيد ضمنا مما قبلها ، وهو نفي الخالقية ، ونفي العلم عن الأصنام .
فالخبر الأول وهو جملة
لا يخلقون شيئا استفيد من جملة
أفمن يخلق كمن لا يخلق ، وعطف
وهم يخلقون ارتقاء في الاستدلال على انتفاء إلهيتها .
والخبر الثاني وهو جملة
أموات غير أحياء تصريح بما استفيد من جملة
والله يعلم ما تسرون وما تعلنون بطريقة نفي الشيء بنفي ملزومه .
[ ص: 126 ] وهي طريقة الكناية التي هي كذكر الشيء بدليله ، فنفي الحياة عن الأصنام في قوله غير أحياء يستلزم نفي العلم عنها ; لأن الحياة شرط في قبول العلم ، ولأن نفي أن يكونوا يعلمون ما هو من أحوالهم يستلزم انتفاء أن يعلموا أحوال غيرهم بدلالة فحوى الخطاب ، ومن كان هكذا فهو غير إله .
وأسند يخلقون إلى النائب لظهور الفاعل من المقام ، أي ( وهم مخلوقون لله تعالى ) ; فإنهم من الحجارة التي هي من خلق الله ، ولا يخرجها نحت البشر إياها على صور وأشكال عن كون الأصل مخلوقا لله تعالى ، كما قال تعالى حكاية عن
إبراهيم - عليه السلام - قوله
والله خلقكم وما تعملون .
وجملة غير أحياء تأكيد لمضمون جملة ( أموات ) ، للدلالة على عراقة وصف الموت فيهم بأنه ليس فيه شائبة حياة ; لأنهم حجارة .
ووصفت الحجارة بالموت باعتبار كون الموت عدم الحياة ، ولا يشترط في الوصف بأسماء الإعدام قبول الموصوفات بها لملكاتها ، كما اصطلح عليه الحكماء ; لأن ذلك اصطلاح منطقي دعا إليه تنظيم أصول المحاجة .
وقرأ
عاصم ويعقوب ( يدعون ) بالتحتية ، وفيها زيادة تبيين لصرف الخطاب إلى المشركين في قراءة الجمهور .
وجملة
وما يشعرون أيان يبعثون إدماج لإثبات البعث عقب الكلام على إثبات الوحدانية لله تعالى ; لأن هذين هما أصل إبطال عقيدة المشركين ، وتمهيد لوجه التلازم بين إنكار البعث وبين إنكار التوحيد في قوله تعالى
فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون ، ولذلك فالظاهر أن ضميري ( يشعرون ) و ( يبعثون ) عائدان إلى الكفار على طريق الالتفات في قراءة الجمهور ، وعلى تناسق الضمائر في قراءة
عاصم ويعقوب .
والمقصود من نفي شعورهم بالبعث تهديدهم بأن البعث الذي أنكروه واقع ، وأنهم لا يدرون متى يبغتهم ، كما قال تعالى
لا تأتيكم إلا بغتة .
[ ص: 127 ] والبعث : حقيقته الإرسال من مكان إلى آخر ، ويطلق على إثارة الجاثم ، ومنه قولهم : بعثت البعير ، إذا أثرته من مبركه ، ولعله من إطلاق اسم الشيء على سببه ، وقد غلب البعث في اصطلاح القرآن على
إحضار الناس إلى الحساب بعد الموت ، فمن كان منهم ميتا فبعثه من جدثه ، ومن كان منهم حيا فصادفته ساعة انتهاء الدنيا فمات ساعتئذ فبعثه هو إحياؤه عقب الموت ، وبذلك لا يعكر إسناد نفي الشعور بوقت البعث عن الكفار الأحياء المهددين ، ولا يستقيم أن يكون ضمير ( يشعرون ) عائدا إلى الذين تدعون ، أي الأصنام .
و ( أيان ) اسم استفهام عن الزمان ، مركبة من ( أي ) و ( آن ) بمعنى أي زمن ؟ ، وهي معلقة لفعل ( يشعرون ) عن العمل بالاستفهام ، والمعنى : وما يشعرون بزمن بعثهم ، وتقدم ( أيان ) في قوله تعالى
يسألونك عن الساعة أيان مرساها في سورة الأعراف .