ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم عطف على
ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ; لأن ذلك وعيد لهم وهذا تكملة له .
وضمير الجمع في قوله تعالى يخزيهم عائد إلى ما عاد إليه الضمير المجرور باللام في قوله تعالى
وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم ، وذلك عائد إلى الذين لا يؤمنون بالآخرة .
[ ص: 136 ] و ( ثم ) للترتيب الرتبي ، فإن خزي الآخرة أعظم من استئصال نعيم الدنيا .
والخزي : الإهانة ، وقد تقدم عند قوله تعالى
فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا في سورة البقرة .
وتقديم الظرف للاهتمام بيوم القيامة ; لأنه يوم الأحوال الأبدية فما فيه من العذاب مهول للسامعين .
و ( أين ) للاستفهام عن المكان ، وهو يقتضي العلم بوجود من يحل في المكان ، ولما كان المقام هنا مقام تهكم كان الاستفهام عن المكان مستعملا في التهكم ; ليظهر لهم كالطماعية للبحث عن آلهتهم ، وهم علموا أن لا وجود لهم ولا مكان لحلولهم .
وإضافة الشركاء إلى ضمير الجلالة زيادة في التوبيخ ; لأن مظهر عظمة الله تعالى يومئذ للعيان ينافي أن يكون له شريك ، فالمخاطبون عالمون حينئذ بتعذر المشاركة .
والموصول من قوله تعالى
الذين كنتم تشاقون فيهم للتنبيه على ضلالهم وخطئهم في ادعاء المشاركة مثل الذي في قول
عبدة :
إن الذين ترونـهـم إخـوانـكـم يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا
والمشاقة : المشادة في الخصومة ، كأنها خصومة لا سبيل معها إلى الوفاق ، إذ قد صار كل خصم في شق غير شق الآخر .
وقرأ
نافع ( تشاقون ) بكسر النون على حذف ياء المتكلم ، أي تعاندونني ، وذلك بإنكارهم ما أمرهم الله على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وقرأ البقية تشاقون بفتح النون وحذف المفعول للعلم ، أي تعاندون من يدعوكم إلى التوحيد .
و ( في ) للظرفية المجازية مع حذف مضاف ، إذ المشاقة لا تكون في الذوات بل في المعاني ، والتقدير : في إلهيتهم أو في شأنهم .