[ ص: 142 ] للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي الله المتقين
مستأنفة ابتدائية ، وهي كلام من الله تعالى مثل نظيرها في آية
قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة في سورة الزمر ، وليست من حكاية قول الذين اتقوا .
والذين أحسنوا : هم المتقون ، فهو من الإظهار في مقام الإضمار توصيلا بالإتيان بالموصول إلى وجه بناء الخبر ، أي جزاؤهم حسنة ; لأنهم أحسنوا .
وقوله تعالى
في هذه الدنيا يجوز أن يتعلق بفعل ( أحسنوا ) ، ويجوز أن يكون ظرفا مستقرا حالا من ( حسنة ) ، وانظر ما يأتي في نظر هذه الآية من سورة الزمر من نكتة التوسط .
ومعنى
ولدار الآخرة أنها خير لهم من الدنيا فإذا كانت لهم في الدنيا حسنة فلهم في الآخرة أحسن ، فكما كان للذين كفروا عذاب الدنيا ، وعذاب جهنم كان للذين اتقوا خير الدنيا وخير الآخرة ، فهذا مقابل قوله تعالى في حق المشركين
ليحملوا أوزارهم كاملة ، وقوله تعالى
وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون .
وحسنة الدنيا هي الحياة الطيبة ، وما فتح الله لهم من زهرة الدنيا مع نعمة الإيمان ، وخير الآخرة هو النعيم الدائم ، قال تعالى
من عمل صالحا [ ص: 143 ] من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون .
وقوله تعالى
ولنعم دار المتقين جنات عدن يدخلونها مقابل قوله تعالى في ضدهم
فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين .
وقد تقدم آنفا وجه تسمية جهنم مثوى والجنة دارا .
و ( نعم ) فعل مدح غير متصرف ، ومرفوعه فاعل دال على جنس الممدوح ، ويذكر بعده مرفوع آخر يسمى المخصوص بالمدح ، وهو مبتدأ محذوف الخبر ، أو خبر محذوف المبتدأ ، فإذا تقدم ما يدل على المخصوص بالمدح لم يذكر بعد ذلك كما هنا ، فإن تقدم
ولدار الآخرة دل على أن المخصوص بالمدح هو دار الآخرة ، والمعنى : ولنعم دار المتقين دار الآخرة .
وارتفع
جنات عدن على أنه خبر لمبتدأ محذوف مما حذف فيه المسند إليه جريا على الاستعمال في مسند إليه جرى كلام عليه من قبل ، كما تقدم في قوله تعالى
الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ، والتقدير : هي جنات عدن ، أي دار المتقين جنات عدن .
وجملة ( يدخلونها ) حال من المتقين . والمقصود من ذكره استحضار تلك الحالة البديعة حالة دخولهم لدار الخير والحسنى والجنات .
وجملة
لهم فيها ما يشاءون حال ضمير من ضمير الرفع في ( يدخلونها ) ، ومضمونها مكمل لما في جملة ( يدخلونها ) من استحضار الحالة البديعة .
وجملة
كذلك يجزي الله المتقين مستأنفة ، والإتيان باسم الإشارة ; لتمييز الجزاء والتنويه به ، وجعل الجزاء لتمييزه وكماله بحيث يشبه به جزاء المتقين ، والتقدير : يجزي الله المتقين جزاء كذلك الجزاء الذي علمتموه ، وهو تذييل ; لأن التعريف في المتقين للعموم .