وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون
مناسبة موقع جملة
وله ما في السماوات والأرض بعد جملة
وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين أن الذين جعلوا إلهين جعلوهما النور والظلمة ، وإذ كان النور والظلمة مظهرين من مظاهر السماء والأرض كان المعنى : أن ما تزعمونه إلها للخير وإلها للشر هما من مخلوقاته .
وتقديم المجرور يفيد الحصر فدخل جميع ما في السماء والأرض في مفاد لام الملك ، فأفاد أن ليس لغيره شيء من المخلوقات خيرها وشرها ، فانتفى أن يكون معه إله آخر ; لأنه لو كان معه إله آخر لكان له بعض المخلوقات إذ لا يعقل إله بدون مخلوقات .
وضمير ( له ) عائد إلى اسم الجلالة من قوله
وقال الله لا تتخذوا إلهين .
فعطفه على جملة
إنما هو إله واحد ; لأن عظمة الإلهية اقتضت الرهبة منه وقصرها عليه ، فناسب أن يشار إلى أن صفة المالكية تقتضي إفراده بالعبادة .
وأما قوله
وله الدين واصبا فالدين يحتمل أن يكون المراد به الطاعة ، من قولهم : دانت القبيلة للملك ، أي أطاعته ، فهو من متممات جملة
وله ما في السماوات والأرض ; لأنه لما قصر الموجودات على الكون في ملكه كان حقيقا بقصر الطاعة عليه ، ولذلك قدم المجرور في هذه الجملة على فعله كما وقع في التي قبلها .
[ ص: 176 ] ويجوز أن يكون الدين بمعنى الديانة ، فيكون تذييلا لجملة
وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين ; لأن إبطال دين الشرك يناسبه أن لا يدين الناس إلا بما يشرعه الله لهم ، أي هو الذي يشرع لكم الدين لا غيره من أئمة الضلال مثل عمرو بن لحي ، وزرادشت ، ومزدك ، وماني ، قال تعالى
أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله .
ويجوز أن يكون الدين بمعنى الجزاء كما في قوله تعالى
ملك يوم الدين ، فيكون إدماجا
لإثبات البعث الذي ينكره أولئك أيضا ، والمعنى : له ما في السماوات والأرض وإليه يرجع من في السماوات والأرض ، لا يرجعون إلى غيره ، ولا ينفعهم يومئذ أحد .
والواصب : الثابت الدائم ، وهو صالح للاحتمالات الثلاثة ، ويزيد على الاحتمال الثالث ; لأنه تأكيد لرد إنكارهم البعث .
وتفرع على هاتين الجملتين التوبيخ على تقواهم غيره ، وذلك أنهم كانوا يتقون إله الشر ، ويتقربون إليه ليأمنوا شره .