ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون عطف على جملة
ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم .
هذا استدلال بنعمة الله عليهم بالبنين والبنات ، وهي نعمة النسل ، كما أشار إليه قوله تعالى
ولهم ما يشتهون ، أي ما يشتهون مما رزقناهم من الذرية .
وأدمج في هذا الاستدلال وهذا الامتنان ذكر ضرب شنيع من ضروب كفرهم ، وهو افتراؤهم : أن زعموا أن الملائكة بنات الله من سروات الجن ، كما دل عليه قوله تعالى
وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ، وهو اعتقاد قبائل
كنانة وخزاعة .
والجعل : هنا النسبة بالقول .
و ( سبحانه ) مصدر نائب عن الفعل ، وهو منصوب على المفعولية المطلقة ، وهو في محل جملة معترضة وقعت جوابا عن مقالتهم السيئة التي تضمنتها حكاية
ويجعلون لله البنات إذ الجعل فيه جعل القول ، فقوله ( سبحانه ) مثل قولهم : حاش لله ، ومعاذ الله ، أي تنزيها له عن أن يكون له ذلك .
وإنما قدم ( سبحانه ) على قوله
ولهم ما يشتهون ليكون نصا في أن التنزيه عن هذا الجعل لذاته ، وهو نسبة البنوة لله ، لا عن جعلهم له خصوص البنات دون الذكور الذي هو أشد فظاعة ، كما دل عليه قوله تعالى
ولهم [ ص: 183 ] ما يشتهون ; لأن ذلك زيادة في التفظيع ، فقوله
ولهم ما يشتهون جملة في موضع الحال ، وتقديم الخبر في الجملة ; للاهتمام بهم في ذلك على طريقة التهكم .
وماصدق
ما يشتهون الأبناء الذكور بقرينة مقابلته بالبنات ، وقوله تعالى
وإذا بشر أحدهم بالأنثى ، أي والحال أن لهم ذكورا من أبنائهم فهلا جعلوا لله بنين وبنات ، وهذا ارتقاء في إفساد معتقداتهم بحسب عرفهم ، وإلا فإنه بالنسبة إلى الله سواء للاستواء في التولد الذي هو من مقتضى الحدوث المنزه عنه واجب الوجود .
وسيخص هذا بالإبطال في قوله تعالى
ويجعلون لله ما يكرهون ، ولهذا اقتصر هنا على لفظ البنات الدال على الذوات ، واقتصر على أنهم يشتهون الأبناء ، ولم يتعرض إلى كراهتهم البنات ، وإن كان ذلك مأخوذا بالمفهوم ; لأن ذلك درجة أخرى من كفرهم ستخص بالذكر .