فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون تفريع على جميع ما سبق من الآيات والعبر والمنن ؛ إذ قد استقام من جميعها انفراد الله تعالى بالإلهية ، ونفي الشريك فيما خلق وأنعم ، وبالأولى نفي أن يكون له ولد ، وأن يشبه بالحوادث ، فلا جرم استتب للمقام أن يفرع على ذلك زجر المشركين عن تمثيلهم غير الله بالله في شيء من ذلك ، وأن يمثلوه بالموجودات .
وهذا جاء على طريقة قوله تعالى
يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم إلى قوله تعالى
فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ، وقوله
وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم .
والأمثال هنا جمع مثل بفتحتين بمعنى المماثل ، كقولهم : شبه بمعنى مشابه ، وضرب الأمثال شاع استعماله في تشبيه حالة بحالة ، وهيئة بهيئة ، وهو هنا استعمال آخر .
ومعنى الضرب في قولهم : ضرب كذا مثلا ، بيناه عند قوله تعالى
إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما في سورة البقرة .
واللام في الله متعلقة بـ ( الأمثال ) لا بـ ( تضربوا ) ، إذ ليس المراد أنهم يضربون مثل الأصنام بالله ضربا للناس كقوله تعالى
ضرب لكم مثلا من أنفسكم .
[ ص: 223 ] ووجه
كون الإشراك ضرب مثل لله أنهم أثبتوا للأصنام صفات الإلهية وشبهوها بالخالق ، فإطلاق ضرب المثل عليه مثل قوله تعالى
وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا ، وقد كانوا يقولون عن الأصنام هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، والملائكة هن بنات الله من سروات الجن ، فذلك ضرب مثل وتشبيه لله بالحوادث في التأثر بشفاعة الأكفاء والأعيان والازدهاء بالبنين .
وجملة
إن الله يعلم تعليل للنهي عن تشبيه الله تعالى بالحوادث ، وتنبيه على أن جهلهم هو الذي أوقعهم في تلك السخافات من العقائد ، وأن الله إذ نهاهم وزجرهم عن أن يشبهوه بما شبهوه إنما نهاهم لعلمه ببطلان اعتقادهم .
وفي قوله تعالى
وأنتم لا تعلمون استدعاء لإعمال النظر الصحيح ; ليصلوا إلى العلم البريء من الأوهام .