والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون عطف على أخواتها .
والقول في نظم
والله جعل لكم كالقول في نظائره المتقدمة .
وهذا امتنان بنعمة الإلهام إلى التوقي من أضرار الحر والقر في حالة الانتقال ، أعقبت به المنة بذلك في حال الإقامة والسكنى ، وبنعمة خلق الأشياء التي
[ ص: 240 ] يكون بها ذلك التوقي باستعمال الموجود ، وصنع ما يحتاج إليه الإنسان من اللباس ، إذ خلق الله الظلال صالحة للتوقي من حر الشمس . وخلق الكهوف في الجبال ; ليمكن اللجأ إليها . وخلق مواد اللباس مع الإلهام إلى صناعة نسجها ، وخلق الحديد ; لاتخاذ الدروع للقتال .
و ( من ) في
مما خلق ابتدائية .
والظلال تقدم الكلام عليه عند قوله تعالى
يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل آنفا ; لأن الظلال آثار حجب الأجسام ضوء الشمس من الوقوع على الأرض .
والأكنان : جمع ( كن ) بكسر الكاف ، وهو فعل بمعنى مفعول ، أي مكنون فيه ، وهي الغيران والكهوف .
و ( من ) في قوله تعالى
مما خلق ، و
من الجبال ، للتبعيض ، كانوا يأوون إلى الكهوف في شدة حر الهجير أو عند اشتداد المطر ، كما ورد في حديث الثلاثة الذين سألوا الله بأفضل أعمالهم في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
والسرابيل : جمع سربال ، وهو القميص يقي الجسد حر الشمس ، كما يقيه البرد .
وخص الحر هنا ; لأنه أكثر أحوال بلاد المخاطبين في وقت نزولها ، على أنه لما ذكر الدفء في قوله تعالى
والأنعام خلقها لكم فيها دفء ذكر ضده هنا .
والسرابيل التي تقي البأس : هي دروع الحديد ، ولها من أسماء القميص الدرع ، والسربال ، والبدن .
والبأس : الشدة في الحرب ، وإضافته إلى الضمير على معنى التوزيع ، أي تقي بعضكم بأس بعض ، كما فسر به قوله تعالى
ويذيق بعضكم بأس بعض ، وقال تعالى
وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ، وهو بأس السيوف ، وقوله تعالى
وعلمناه صنعة لبوس لكم ليحصنكم من بأسكم .
[ ص: 241 ] وجملة
كذلك يتم نعمته عليكم تذييل لما ذكر من النعم ، والمشار إليه هو ما في النعم المذكورة من الإتمام ، أو إلى الإتمام المأخوذ من ( يتم ) .
و ( لعل ) للرجاء ، استعملت في معنى الرغبة ، أي رغبة في أن تسلموا ، أي تتبعوا دين الإسلام الذي يدعوكم إلى ما مآله شكر نعم الله تعالى .
وتقدم تأويل معنى الرجاء في كلام الله تعالى من سورة البقرة .