ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون
الواو عاطفة جملة يوم نبعث إلخ على جملة
فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين بتقدير : واذكر يوم نبعث من كل أمة شهيدا ، فالتذكير بذلك اليوم من البلاغ المبين ، والمعنى : فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين ، وسنجازي يوم نبعث من كل أمة شهيدا عليها ، ذلك أن وصف شهيد يقتضي أنه شاهد على المؤمنين به وعلى الكافرين ، أي شهيد ; لأنه بلغهم رسالة الله .
وبعث شهيد من كل أمة يفيد أن
محمدا صلى الله عليه وسلم شهيد على هؤلاء الكافرين كما سيجيء عقبه قوله تعالى
وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ، وبذلك انتظم أمر العطف ، والتخلص إلى وصف يوم الحساب ، وإلى التنويه بشأنه .
[ ص: 244 ] وانتصب يوم نبعث على المفعول به للفعل المقدر ، ولك أن تجعل يوم منصوبا على الظرفية لعامل محذوف يدل عليه الكلام المذكور يقدر بما يسمح به المعنى ، مثل : نحاسبهم حسابا لا يستعتبون منه ، أو وقعوا فيما وقعوا من الخطب العظيم .
والذي دعا إلى هذا الحذف هو أن ما حقه أن يكون عاملا في الظرف وهو ( لا يؤذن للذين كفروا ) قد حول إلى جعله معطوفا على جملة الظرف بحرف ( ثم ) الدال على التراخي الرتبي ، إذ الأصل :
ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين . . . إلى آخره ، فبقي الظرف بدون متعلق ، فلم يكن للسامع بد من تقديره بما تذهب إليه نفسه ، وذلك يفيد التهويل والتفظيع وهو من بديع الإيجاز .
والشهيد : الشاهد ، وقد تقدم نظيره عند قوله تعالى
فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد في سورة النساء .
والبعث : إحضاره في الموقف .
و ( ثم ) للترتيب الرتبي ; لأن إلجامهم عن الكلام مع تعذر الاستعتاب أشد هولا من الإتيان بالشهيد عليهم ، وليست ( ثم ) للتراخي في الزمن ; لأن عدم الإذن لهم مقارن لبعث الشهيد عليهم ، والمعنى : لا يؤذن لهم بالمجادلة عن أنفسهم ، فحذف متعلق يؤذن لظهوره من قوله تعالى
ولا هم يستعتبون .
ويجوز أن يكون نفي الإذن كناية عن الطرد كما كان الإذن كناية عن الإكرام ، كما في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=97جرير بن عبد الله nindex.php?page=hadith&LINKID=10342030ما استأذنت رسول الله منذ أسلمت إلا أذن لي ، وحينئذ لا يقدر له متعلق ، أو لا يؤذن لهم في الخروج من جهنم حين يسألونه بقولهم
ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب فهو كقوله تعالى
فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون .
والاستعتاب : أصله طلب العتبى ، والعتبى : الرضى بعد الغضب ، يقال : استعتب فلان فلانا فأعتبه ، إذا أرضاه ، قال تعالى
وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين .
[ ص: 245 ] وإذا بني للمجهول فالأصل أن يكون نائب فاعله هو المطلوب منه الرضى ، تقول : استعتب فلان فلم يعتب . وأما ما وقع في القرآن منه مبنيا للمجهول فقد وقع نائب فاعله ضمير المستعتبين كما في هذه الآية ، وكما في قوله تعالى في سورة الروم
فيومئذ لا تنفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون ، وفي سورة الجاثية
فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون ، ففسره
الراغب فقال : الاستعتاب أن يطلب من الإنسان أن يطلب العتبى اهـ .
وعليه فقال : استعتب فلم يستعتب . ويقال : على الأصل استعتب فلان فلم يعتب ، وهذا استعمال نشأ عن الحذف ، وأصله : استعتب له ، أي طلب منه أن يستعتب ، فكثر في الاستعمال حتى قل استعمال استعتب مبنيا للمجهول في غير هذا المعنى .
وعطف
ولا هم يستعتبون على
لا يؤذن للذين كفروا وإن كان أخص منه ، فهو عطف خاص على عام ، للاهتمام بخصوصه ; للدلالة على أنهم مأيوس من الرضى عنهم عند سائر أهل الموقف بحيث يعلمون أن لا طائل في استعتابهم ، فلذلك لا يشير أحد عليهم بأن يستعتبوا ، فإن جعلت ( لا يؤذن ) كناية عن الطرد فالمعنى : أنهم يطردون ولا يجدون من يشير عليهم بأن يستعتبوا .