ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون
لما أحال البيان إلى يوم القيامة زادهم إعلاما بحكمة هذا التأخير ; فأعلمهم أنه قادر على أن يبين لهم الحق من هذه الدار فيجعلهم أمة واحدة ، ولكنه أضل من شاء ، أي خلق فيه داعية الضلال ، وهدى من شاء ، أي خلق فيه داعية الهدى ، وأحال الأمر هنا على المشيئة إجمالا ؛ لتعذر نشر مطاوي الحكمة من ذلك .
ومرجعها إلى مشيئة الله تعالى أن يخلق الناس على هذا الاختلاف الناشئ عن اختلاف أحوال التفكير ، ومراتب المدارك والعقول ، وذلك يتولد من تطورات عظيمة تعرض للإنسان في تناسله وحضارته وغير ذلك مما أجمله قوله تعالى
لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون ، وهذه المشيئة لا يطلع على كنهها إلا الله تعالى ، وتظهر آثارها في فرقة المهتدين ، وفرقة الضالين .
ولما كان قوله
ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء قد يغتر به قصار الأنظار فيحسبون أن الضالين والمهتدين سواء عند الله ، وأن الضالين معذورون في ضلالهم إذ كان من أثر مشيئة الله فعقب ذلك بقوله
[ ص: 268 ] ولتسألن عما كنتم تعملون مؤكدا بتأكيدين كما تقدم نظيره آنفا ، أي عما تعملون من عمل ضلال أو عمل هدى .
والسؤال : كناية عن المحاسبة ; لأنه سؤال حكيم تترتب عليه الإنارة ، وليس سؤال استطلاع .