[ ص: 296 ] ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين هذه الجملة واقعة موقع التعليل ; فلذلك فصلت عن التي قبلها ، وإشارة ذلك إلى مضمون قوله
فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم .
وضمير ( بأنهم ) عائد إلى من كفر بالله سواء كان ماصدق ( من ) معينا أو مفروضا على أحد الوجهين السابقين .
والباء للسببية ، فمدخولها سبب .
و ( استحبوا ) مبالغة في ( أحبوا ) مثل استأخر واستكان ، وضمن ( استحبوا ) معنى ( فضلوا ) بحرف ( على ) ، أي لأنهم قدموا نفع الدنيا على نفع الآخرة ; لأنهم قد استقر في قلوبهم أحقية الإسلام ، وما رجعوا عنه إلا خوف الفتنة ، أو رغبة في رفاهية العيش ، فيكون كفرهم أشد من كفر المستصحبين للكفر من قبل البعثة .
وأن الله لا يهدي القوم الكافرين سبب ثان للغضب والعذاب ، أي وبأن الله حرمهم الهداية فهم موافونه على الكفر ، وقد تقدم تفسير ذلك عند قوله تعالى
إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله .
وهو تذييل لما في صيغة القوم الكافرين من العموم الشامل للمتحدث عنهم وغيرهم ، فليس ذلك إظهارا في مقام الإضمار ، ولكنه عموم بعد خصوص .
وإقحام لفظ ( قوم ) للدلالة على أن من كان هذا شأنهم فقد عرفوا به ، وتمكن منهم ، وصار سجية حتى كأنهم يجمعهم هذا الوصف .
وقد تقدم أن جريان وصف أو خبر على لفظ ( قوم ) يؤذن بأنه من مقومات قوميتهم كما في قوله تعالى
لآيات لقوم يعقلون في سورة
[ ص: 297 ] البقرة ، وقوله تعالى
وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون في سورة يونس .