ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا
موقع هذه الآية هنا غامض ، وانتزاع المعنى من نظمها وألفاظها أيضا ، ولم يأت فيها المفسرون بما يثلج له الصدر ، والذي يظهر لي أن
[ ص: 42 ] الآية التي قبلها لما اشتملت على بشارة وإنذار ، وكان المنذرون إذا سمعوا الوعيد والإنذار يستهزئون به ويقولون (
متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) عطف هذا الكلام على ما سبق تنبيها على أن لذلك الوعد أجلا مسمى ، فالمراد بالإنسان الإنسان الذي لا يؤمن بالآخرة كما هو في قوله تعالى : (
ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا ) و (
أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ) وإطلاق الإنسان على الكافر كثير في القرآن .
وفعل ( يدعو ) مستعمل في معنى يطلب ويبتغي ، كقول
لبيد :
أدعو بهن لعاقر أو مطفل بذلت لجيران الجميع لحامها
وقوله (
دعاءه بالخير ) مصدر يفيد تشبيها ، أي يستعجل الشر كاستعجاله الخير ، يعني يستبطئ حلول الوعيد كما يستبطئ أحد تأخر خبر وعد به .
وقوله : (
وكان الإنسان عجولا ) تذييل ، فالإنسان هنا مراد به الجنس ; لأنه المناسب للتذييل ، أي وما هؤلاء الكافرون الذين لا يؤمنون بالآخرة إلا من نوع الإنسان ، وفي نوع الإنسان الاستعجال فإن ( كان ) تدل على أن اسمها متصف بخبرها اتصافا متمكنا ، كقوله تعالى : (
وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ) .
والمقصود من قوله : (
وكان الإنسان عجولا ) الكناية عن عدم تبصره ، وأن الله أعلم بمقتضى الحكمة في توقيت الأشياء (
ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم ) ، ولكنه درج لهم وصول الخير والشر لطفا بهم في الحالين .
والباء في قوله ( بالشر وبالخير ) لتأكيد لصوق العامل بمعموله كالتي في قوله تعالى : (
وامسحوا برءوسكم ) ; أو لتضمين مادة الدعاء معنى الاستعجال ، فيكون كقوله تعالى : (
يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها ) .
[ ص: 43 ] وعجول : صيغة مبالغة في عاجل ، يقال : عجل فهو عاجل وعجول .
وكتب في المصحف ( ويدع ) بدون واو بعد العين إجراء لرسم الكلمة على حالة النطق بها في الوصل كما كتب ( سندع الزبانية ) ونظائرها ، قال
الفراء : لو كتبت بالواو لكان صوابا .