ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا نهي عن خصلة من خصال الجاهلية ، وهي خصلة الكبرياء ، وكان أهل الجاهلية يتعمدونها ، وهذه الوصية الخامسة عشرة .
والخطاب لغير معين ; ليعم كل مخاطب ، وليس خطابا للنبيء صلى الله عليه وسلم ; إذ لا يناسب ما بعده .
والمرح بفتح الميم وفتح الراء : شدة ازدهاء المرء وفرحه بحاله في عظمة الرزق ، و
مرحا مصدر وقع حالا من ضمير
تمش ، ومجيء المصدر حالا كمجيئه صفة يراد منه المبالغة في الاتصاف ، وتأويله باسم الفاعل ، أي لا تمش مارحا ، أي مشية المارح ، وهي المشية الدالة على كبرياء الماشي بتمايل وتبختر ، ويجوز أن يكون
مرحا مفعولا مطلقا مبينا لفعل
تمش ; لأن للمشي أنواعا ، منها : ما يدل على أن صاحبه ذو مرح ، فإسناد المرح إلى المشي مجاز عقلي ، والمشي مرحا أن يكون في المشي شدة وطء على الأرض وتطاول في بدن الماشي .
وجملة
إنك لن تخرق الأرض استئناف ناشئ عن النهي بتوجيه خطاب ثان في هذا المعنى على سبيل التهكم ، أي أنك أيها الماشي مرحا
[ ص: 104 ] لا تخرق بمشيك أديم الأرض ، ولا تبلغ بتطاولك في مشيك طول الجبال ، فماذا يغريك بهذه المشية .
والخرق : قطع الشيء والفصل بين الأديم ، فخرق الأرض تمزيق قشر التراب ، والكرم مستعمل في التغليظ بتنزيل الماشي الواطئ الأرض بشدة منزلة من يبتغي خرق وجه الأرض ، وتنزيله في تطاوله في مشيه إلى أعلى منزلة من يريد أن يبلغ طول الجبال .
والمقصود من التهكم التشنيع بهذا الفعل ، فدل ذلك على أن المنهي عنه حرام ; لأنه فساد في خلق صاحبه ، وسوء في نيته وإهانة للناس بالإظهار الشفوق عليهم وإرهابهم بقوته ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : أنه رأى غلاما يتبختر في مشيته فقال له ( إن البخترة مشية تكره إلا في سبيل الله ) يعني ; لأنها يرهب بها العدو إظهارا للقوة على أعداء الدين في الجهاد .
وإظهار اسم الأرض في قوله
لن تخرق الأرض دون إضمار ; ليكون هذا الكلام مستقلا عن غيره جاريا مجرى المثل .