ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا عطف على
وقرآن الفجر فإنه في تقدير جملة لكونه معمولا لفعل أقم .
وقدم المجرور المتعلق ب تهجد على متعلقه اهتماما به وتحريضا عليه ، وبتقديمه اكتسب معنى الشرط والجزاء فجعل متعلقه بمنزلة الجزاء ; فأدخلت عليه فاء الجزاء ، وهذا مستعمل في الظروف والمجرورات المتقدمة على متعلقاتها ، وهو استعمال فصيح ، ومنه قوله تعالى
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وقول النبيء صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341943ففيهما فجاهد ، وتقدم عند قوله تعالى
فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم في سورة براءة .
وجعل
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج nindex.php?page=showalam&ids=14423والزمخشري قوله
ومن الليل في معنى الإغراء بناء على أن نصب
وقرآن الفجر على الإغراء فيكون
فتهجد تفريعا على الإغراء تفريع مفصل على مجمل ، وتكون ( من ) اسما بمعنى ( بعض ) كالتي في قوله
من الذين هادوا يحرفون الكلم وهو أيضا حسن .
وضمير به للقرآن المذكور في قوله
وقرآن الفجر وإن كان المعاد مقيدا بكونه في الفجر ، والمذكور هنا مرادا مطلقه ، كقولك ، عندي درهم ونصفه ، أي نصف درهم لا نصف الدرهم الذي عندك ، والباء للسببية .
[ ص: 185 ] والتهجد : الصلاة في أثناء الليل ، وهو اسم مشتق من الهجود ، وهو النوم فمادة التفعل فيه للإزالة مثل التحرج والأتم ، والنافلة : الزيادة من الأمر المحبوب .
واللام في لك متعلقة ب نافلة وهي لام العلة ، أي نافلة لأجلك ، وفي هذا دليل على أن
الأمر بالتهجد خاص بالنبيء صلى الله عليه وسلم فالأمر للوجوب ، وبذلك انتظم في عداد الصلوات الواجبة ، فبعضها واجب عليه ، وعلى الأمة ، وبعضها واجب عليه خاصة ويعلم منه أنه مرغب فيه كما صرحت به آية سورة المزمل
إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك إلى قوله
ما تيسر منه ، وفي هذا الإيجاب عليه زيادة تشريف له ، ولهذا أعقب بوعد أن يبعثه الله مقاما محمودا ، فجملة
عسى أن يبعثك تعليل لتخصيصه بإيجاب التهجد عليه ، والرجاء من الله تعالى وعد ، فالمعنى : ليبعثك ربك مقاما محمودا .
والمقام : محل القيام ، والمراد به المكان المعدود لأمر عظيم ; لأنه من شأنه أن يقوم الناس فيه ولا يجلسوا ، وإلا فهو المجلس .
وانتصب مقاما على الظرفية ل يبعثك .
ووصف المقام بالمحمود وصف مجازي ، والمحمود من يقوم فيه ، أي يحمد أثره فيه ، وذلك لغنائه عن أصحاب ذلك المقام ، ولذلك فسر
المقام المحمود بالشفاعة العظمى .
وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=hadith&LINKID=10342079أن الناس يصيرون يوم القيامة جثا بضم الجيم وتخفيف المثلثة أي جماعات ، كل أمة تتبع نبيها ، يقولون : يا فلان اشفع حتى تنتهي الشفاعة إلى النبيء ، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود . وفي جامع
الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342080قال رسول الله [ ص: 186 ] صلى الله عليه وسلم في قوله عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ، قال : هي الشفاعة ، قال : هذا حديث حسن صحيح .
وقد ورد وصف الشفاعة في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري مفصلا ، وذلك مقام يحمده فيه كل أهل المحشر .