قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا استئناف للزيادة في الامتنان ، وهو استئناف بياني لمضمون جملة
إن فضله كان عليك كبيرا ، وافتتاحه بـ " قل " للاهتمام به ، وهذا تنويه يشرف القرآن ، فكان هذا التنويه امتنانا على الذين آمنوا به ، وهم الذين كان لهم شفاء ورحمة ، وتحديا بالعجز على الإتيان بمثله للذين أعرضوا عنه ، وهم الذين لا يزيدهم إلا خسارا ، واللام موطئة للقسم .
وجملة
لا يأتون بمثله جواب القسم المحذوف .
وجرد الجواب من اللام الغالب اقترانها بجواب القسم ; كراهية اجتماع لامين : لام القسم ، ولام النافية .
[ ص: 203 ] ومعنى الاجتماع : الاتفاق واتحاد الرأي ، أي لو تواردت عقول الإنس والجن على أن يأتي كل واحد منهم بمثل هذا القرآن لما أتوا بمثله ، فهو اجتماع الرأي لا اجتماع التعاون ، كما تدل عليه المبالغة في قوله بعده
ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا .
وذكر الجن مع الإنس ; لقصد التعميم ، كما يقال " لو اجتمع أهل السماوات والأرض " وأيضا ; لأن المتحدين بإعجاز القرآن كانوا يزعمون أن الجن يقدرون على الأعمال العظيمة .
والمراد بالمماثلة للقرآن : المماثلة في مجموع الفصاحة والبلاغة ، والمعاني ، والآداب ، والشرائع ، وهي نواحي
إعجاز القرآن اللفظي ، والعلمي .
وجملة " لا يأتون " جواب القسم الموطأ له باللام ، وجواب ( إن ) الشرطية محذوف دل عليه جواب القسم .
وجملة
ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا في موقع الحال من ضمير " لا يأتون " .
و ( لو ) وصلية ، وهي تفيد أن ما بعدها مظنة أن لا يشمله ما قبلها ، وقد تقدم معناها عند قوله
ولو افتدى به في آل عمران .
والظهير : المعين ، والمعنى : ولو تعاون الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لما أتوا بمثله ، فكيف بهم إذا حاولوا ذلك متفرقين ؟
وفائدة هذه الجملة تأكيد معنى الاجتماع المدلول بقوله
لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن أنه اجتماع تظافر على عمل واحد ومقصد واحد ، وهذه الآية مفحمة للمشركين في
التحدي بإعجاز القرآن .