وبالحق أنزلناه وبالحق نزل عود إلى التنويه بشأن القرآن متصل بقوله
ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا ، فلما عطف عليه
وقالوا لن نؤمن لك الآيات إلى هنا ، وسمحت مناسبة ذكر تكذيب
فرعون موسى عليه السلام ، عاد الكلام إلى التنويه بالقرآن لتلك المناسبة .
وقد وصف القرآن بصفتين عظيمتين ، كل واحدة منهما تحتوي على ثناء عظيم ، وتنبيه للتدبر فيهما .
وقد ذكر فعل النزول مرتين ، وذكر له في كل مرة متعلق متماثل اللفظ ، لكنه مختلف المعنى ، فعلق إنزال الله إياه بأنه " بالحق " ، فكان معنى الحق الثابت الذي لا ريب فيه ، ولا كذب ، فهو كقوله تعالى
ذلك الكتاب لا ريب فيه ، وهو رد لتكذيب المشركين أن يكون القرآن وحيا من عند الله .
وعلق نزول القرآن ، أي بلوغه للناس بأنه بالحق ، فكان معنى الحق الثاني مقابل الباطل ، أي مشتملا على الحق الذي به قوام صلاح الناس ، وفوزهم في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى
وقل جاء الحق وزهق الباطل ، وقوله
إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله .
وضمائر الغيبة عائدة إلى القرآن المعروف من المقام .
والباء في الموضعين للمصاحبة ; لأنه مشتمل على الحق والهدى ، والمصاحبة
[ ص: 230 ] تشبه الظرفية ، ولولا اختلاف معنى الباءين في الآية لكان قوله
وبالحق نزل مجرد تأكيد لقوله
وبالحق أنزلناه ; لأنه إذا أنزل بالحق نزل به ، ولا ينبغي المصير إليه ما لم يتعين .
وتقديم المجرور في الموضعين على عامله للقصر ; ردا على المنكرين الذين ادعوا أنه أساطير الأولين ، أو سحر مبين أو نحو ذلك .