وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا عطف على جملة أنزلناه .
وانتصب " قرآنا " على الحال من الضمير المنصوب في " فرقناه " مقدمة على صاحبها تنويها الكون قرآنا ، أي كونه كتابا مقروءا ، فإن اسم القرآن مشتق من القراءة ، وهي التلاوة ، إشارة إلى أنه من جنس الكلام الذي يحفظ ، ويتلى ، كما أشار إليه قوله تعالى
تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ، وقد تقدم بيانه ، فهذا الكتاب له أسماء باختلاف صفاته فهو كتاب ، وقرآن ، وفرقان ، وذكر ، وتنزيل ، وتجري عليه الأوصاف أو بعضها باختلاف المقام ، ألا ترى إلى قوله تعالى
وقرآن الفجر وقوله
فاقرءوا ما تيسر من القرآن باعتبار أن
[ ص: 231 ] المقام للأمر بالتلاوة في الصلاة أو مطلقا ، وإلى قوله
تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا في مقام كونه فارقا بين الحق والباطل ، ولهذا لم يوصف من الكتب السماوية بوصف القرآن غير الكتاب المنزل على
محمد صلى الله عليه وسلم .
ومعنى " فرقناه " جعلناه فرقا ، أي
أنزلناه منجما مفرقا غير مجتمع صبرة واحدة ، يقال : فرق الأشياء إذا باعد بينها ، وفرق الصبرة إذا جزأها ، ويطلق الفرق على البيان ; لأن البيان يشبه تفريق الأشياء المختلطة ، فيكون " فرقناه " محتملا معنى بيناه ، وفصلناه ، وإذ قد كان قوله " قرآنا " حالا من ضمير " فرقناه " آل المعنى إلى : أنا فرقناه وأقرأناه .
وقد علل بقوله
لتقرأه على الناس على مكث ، فهما علتان : أن يقرأ على الناس ، وتلك علة لجعله قرآنا ، وأن يقرأ على مكث ، أي مهل وبطء ، وهي علة لتفريقه .
والحكمة في ذلك أن تكون ألفاظه ومعانيه أثبت في نفوس السامعين .
وجملة
ونزلناه تنزيلا معطوفة على جملة
وقرآنا فرقناه ، وفي فعل " نزلناه " المضاعف وتأكيده بالمفعول المطلق ; إشارة إلى تفريق إنزاله المذكور في قوله
وبالحق أنزلناه .
وطوي بيان الحكمة للاجتزاء بما في قوله
لتقرأه على الناس على مكث من اتحاد الحكمة ، وهي ما صرح به قوله تعالى
كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا .
ويجوز أن يراد : فرقنا إنزاله ; رعيا للأسباب والحوادث ، وفي كلا الوجهين إبطال لشبهتهم إذ قالوا
لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة .