وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم تعليل آخر لإنزال الكتاب على عبده ، جعل تاليا لقوله
لينذر بأسا شديدا من لدنه باعتبار أن المراد هنا إنذار مخصوص مقابل لما بشر به المؤمنين ، وهذا إنذار بجزاء خالدين فيه ، وهو عذاب الآخرة ، فإن جريت على تخصيص البأس في قوله
بأسا شديدا بعذاب الدنيا كما تقدم كان هذا الإنذار مغايرا لما قبله ، وإن جريت على شمول البأس للعذابين كانت إعادة فعل " ينذر " تأكيدا ، فكان عطفه باعتبار أن لمفعوله صفة زائدة على معنى مفعول فعل
[ ص: 251 ] " ينذر " السابق ، يعرف بها الفريق المنذرون بكلا الإنذارين ، وهو يومئ إلى " المنذرين " المحذوف في قوله
لينذر بأسا شديدا ويغني عن ذكره ، وهذه العلة أثارتها مناسبة ذكر التبشير قبلها ، وقد حذف هنا المنذر به اعتمادا على مقابله المبشر به .
والمراد بـ
الذين قالوا اتخذ الله ولدا هنا المشركون الذين زعموا أن الملائكة بنات الله ، وليس المراد به
النصارى الذين قالوا بأن
عيسى ابن الله تعالى ; لأن القرآن المكي ما تعرض للرد على أهل الكتاب مع تأهلهم للدخول في العموم لاتحاد السبب .
والتعبير عنهم بالموصول وصلته ; لأنهم قد عرفوا بهذه المقالة بين أقوامهم وبين المسلمين ; تشنيعا عليهم بهذه المقالة ، وإيماء إلى أنهم استحقوا ما أنذروا به لأجلها ، ولغيرها ، فمضمون الصلة من موجبات ما أنذروا به ; لأن العلل تتعدد .
والولد : اسم لمن يولد من ذكر أو أنثى ، يستوي فيه الواحد والجمع ، وتقدم في قوله
قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه في سورة يونس .
وجملة
ما لهم به من علم حال من
الذين قالوا ، والضمير المجرور بالباء عائد إلى القول المفهوم من " قالوا " .
و ( من ) لتوكيد النفي ، وفائدة ذكر هذه الحال أنها أشنع في كفرهم ، وهي أن يقولوا كذبا ليست لهم فيه شبهة ، فأطلق العلم على سبب العلم كما دل عليه قوله تعالى
ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه .
وضمير " به " عائد على مصدر مأخوذ من فعل " قالوا " ، أي : ما لهم بذلك القول من علم .
وعطف
ولا لآبائهم لقطع حجتهم ; لأنهم كانوا يقولون
إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون فإذا لم يكن لآبائهم حجة على ما يقولون فليسوا جديرين بأن يقلدوهم .