[ ص: 252 ] كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا
استئناف بالتشاؤم بذلك القول الشنيع .
ووجه فصل الجملة أنها مخالفة للتي قبلها بالإنشائية المخالفة للخبرية .
وفعل كبرت بضم الباء ، أصله : الإخبار عن الشيء بضخامة جسمه ، ويستعمل مجازا في الشدة والقوة في وصف من الصفات المحمودة والمذمومة على وجه الاستعارة ، وهو هنا مستعمل في التعجب من كبر هذه الكلمة في الشناعة بقرينة المقام ، ودل على قصد التعجب منها انتصاب " كلمة " على التمييز ، إذ لا يحتمل التمييز هنا معنى غير أنه تمييز نسبة التعجب ، ومن أجل هذا مثلوا بهذه الآية لورود ( فعل ) الأصلي والمحول لمعنى المدح والذم في معنى نعم وبئس ، بحسب المقام .
والضمير في قوله " كبرت " يرجع إلى الكلمة التي دل عليها التمييز .
وأطلقت الكلمة على الكلام ، وهو إطلاق شائع ، ومنه قوله تعالى
إنها كلمة هو قائلها وقول النبيء صلى الله عليه وسلم : أصدق كلمة قالها شاعر كلمة
لبيد :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وجملة
تخرج من أفواههم صفة لـ " كلمة " مقصود بها من جرأتهم على النطق بها ، ووقاحتهم في قولها .
والتعبير بالفعل المضارع لاستحضار صورة خروجها من أفواههم تخيلا لفظاعتها ، وفيه إيماء إلى أن مثل ذلك الكلام ليس له مصدر غير الأفواه ، ; لأنه لاستحالته تتلقاه وتنطق به أفواههم وتسمعه أسماعهم ، ولا تعقله عقولهم ; لأن المحال لا يعتقده العقل ، ولكنه يتلقاه المقلد دون تأمل .
[ ص: 253 ] والأفواه : جمع ( فم ) بوزن أفعال ; لأن أصل فم ( فوه ) بفتحتين بوزن جمل ، أو فيه بوزن ريح ، فحذفت الهاء من آخره لثقلها مع قلة الكلمة بحيث لا يجد الناطق حرفا يعتمد عليه لسانه ، ولأن ما قبلها حرف ثقيل وهو الواو المتحركة فلما بقيت الكلمة مختومة بواو متحركة أبدلت ألفا ; لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار ( فا ) ولا يكون اسم على حرفين أحدهما تنوين ، فأبدلت الألف المنونة بحرف صحيح ، وهو الميم ; لأنها تشابه الواو التي هي الأصل في الكلمة ; لأنهما شفهيتان فصار " فم " ، ولما جمعوه ردوه إلى أصله .
وجملة
إن يقولون إلا كذبا مؤكدة لمضمون جملة
تخرج من أفواههم ; لأن الشيء الذي تنطق به الألسن ولا تحقق له في الخارج ونفس الأمر هو الكذب ، أي تخرج من أفواههم خروج الكذب ، فما قولهم ذلك إلا كذب ، أي ليست له صفة إلا صفة الكذب .
هذا إذا جعل القول المأخوذ من " يقولون " خصوص قولهم
اتخذ الله ولدا ، ولك أن تحمل " يقولون " على العموم في سياق النفي ، أي لا يصدر منهم قول إلا الكذب ، فيكون قصرا إضافيا ، أي ما يقولونه في القرآن والإسلام ، أو ما يقولونه من معتقداتهم المخالف لما جاء به الإسلام ، فتكون جملة " إن يقولون " تذييلا .