فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا تفريع على جملة
وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا باعتبارهم مكذبين كافرين بقرينة الذين قالوا اتخذ الله ولدا .
[ ص: 254 ] و ( لعل ) حقيقتها إنشاء الرجاء والتوقع ، وتستعمل في الإنكار والتحذير على طريقة المجاز المرسل ; لأنهما لازمان لتوقع الأمر المكروه .
وهي هنا مستعملة في تحذير الرسول عليه الصلاة والسلام من الاغتمام والحزن على عدم إيمان من لم يؤمنوا من قومه ، وذلك في معنى التسلية ; لقلة الاكتراث بهم .
والباخع : قاتل نفسه ، كذا فسره
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، ومجاهد ، والسدي nindex.php?page=showalam&ids=13033وابن جبير ، وفسره
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بمهلك ، وتفسيره يرجع إلى
أبي عبيدة .
وفي اشتقاقه خلاف ، فقيل مشتق ( البخاع ) بالباء الموحدة بوزن كتاب ، وهو عرق مستبطن في القفا فإذا بلغ الذابح البخاع ، فذلك أعمق الذبح ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في قوله تعالى
لعلك باخع نفسك في سورة الشعراء ، وانفرد
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري بذكر هذا الاشتقاق في الكشاف والفائق والأساس ، قال
ابن الأثير في النهاية : بحثت في كتب اللغة والطب فلم أجد البخاع بالموحدة يعني أن
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري انفرد بهذا الاشتقاق ، وبإثبات البخاع اسما لهذا العرق ، قلت : كفى
nindex.php?page=showalam&ids=14423بالزمخشري حجة فيما أثبته ، وقد تبعه عليه
المطرزي في المغرب وصاحب القاموس ، فالبخع : أصله أن يبلغ الذابح بالذبح إلى القفا ، ثم أطلق على القتل المشوب بغيظ .
والآثار : جمع أثر وهو ما يؤثره ، أي يبقيه الماشي أو الراكب في الرمل أو الأرض من مواطئ أقدامه ، وأخفاف راحلته ، والأثر أيضا ما يبقيه أهل الدار إذا ترحلوا عنها من تافه آلاتهم التي كانوا يعالجون بها شئونهم كالأوتاد والرماد .
وحرف ( على ) للاستعلاء المجازي فيجوز أن يكون المعنى : لعلك مهلك نفسك لأجل إعراضهم عنك ، كما يعرض السائر عن المكان الذي كان فيه ; فتكون ( على ) للتعليل .
[ ص: 255 ] ويجوز أن يكون المعنى تمثيل حال الرسول صلى الله عليه وسلم في شدة حرصه على اتباع قومه له ، وفي غمه من إعراضهم - وتمثيل حالهم في النفور والإعراض بحال من فارقه أهله وأحبته ، فهو يرى آثار ديارهم ، ويحزن لفراقهم ، ويكون حرف ( على ) مستقرا في موضع الحال من ضمير الخطاب ، ومعنى ( على ) الاستعلاء المجازي ، وهو شدة الاتصال بالمكان .
وكأن هذا الكلام سبق إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر أوقات رجائه في إيمانهم إيماء إلى أنهم غير صائرين إلى الإيمان ، وتهيئة لنفسه أن تتحمل ما سيلقاه من عنادهم رأفة من ربه ، ولذلك قال " إن لم يؤمنوا بهذا الحديث " بصيغة الفعل المضارع المقتضية الحصول في المستقبل ، أي إن استمر عدم إيمانهم .
واسم الإشارة وبيانه مراد به القرآن ; لأنه لحضوره في الأذهان كأنه حاضر في مقام نزول الآية ; فأشير إليه بذلك الاعتبار ، وبين بأنه الحديث .
والحديث : الخبر ، وإطلاق اسم ( الحديث ) على القرآن باعتبار أنه إخبار من الله لرسوله ، إذ الحديث هو الكلام الطويل المتضمن أخبارا وقصصا ، سمي الحديث حديثا باعتبار اشتماله على الأمر الحديث ، أي الذي حدث وجد ، أي الأخبار المستجدة التي لا يعلمها المخاطب ، فالحديث ( فعيل ) بمعنى ( مفعول ) ، وانظر ما يأتي عند قوله تعالى
الله نزل أحسن الحديث في سورة الزمر .
و " أسفا " مفعول له من
باخع نفسك أي قاتلها لأجل شدة الحزن ، والشرط معترض بين المفعولين ، ولا جواب له للاستغناء عن الجواب بما قبل الشرط .