إن ترني أنا أقل منك مالا وولدا فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا .
جملة ابتدائية رجع بها إلى مجاوبة صاحبه عن قوله
أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ، وعظه فيها بأنه لا يدري أن تصير كثرة ماله إلى قلة ، أو إلى اضمحلال ، وأن يصير القليل ماله ذا مال كثير .
وحذفت ياء المتكلم بعد نون الوقاية ; تخفيفا ، وهو كثير .
و ( أنا ) ضمير فصل ، فلذلك كان " أقل " منصوبا على أنه مفعول ثان لـ ترن ولا اعتداد بالضمير ، و ( عسى ) للرجاء ، وهو طلب الأمر القريب الحصول ، ولعله أراد به الدعاء لنفسه ، وعلى صاحبه .
[ ص: 325 ] والحسبان : مصدر حسب كالغفران ، وهو هنا صفة لموصوف محذوف ، أي هلاكا حسبانا ، أي مقدرا من الله ، كقوله تعالى
عطاء حسابا ، وقيل : الحسبان اسم جمع لسهام قصار يرمى بها في طلق واحد ، وليس له مفرد ، وقيل : اسم جمع حسبانة وهي الصاعقة ، وقيل : اسم للجراد ، والمعاني الأربعة صالحة هنا ، والسماء : الجو المرتفع فوق الأرض .
والصعيد : وجه الأرض ، وتقدم عند قوله تعالى
فتيمموا صعيدا طيبا ، وفسروه هنا بذلك فيكون ذكره هنا توطئة لإجراء الصفة عليه وهي زلقا .
وفي اللسان عن
الليث يقال للحديقة ، إذا خربت وذهب شجراؤها : قد صارت صعيدا ، أي أرضا مستوية لا شجر فيها ا هـ .
وهذا إذا صح أحسن هنا ، ويكون وصفه بـ زلقا مبالغة في انعدام النفع به بالمرة ، لكني أظن أن
الليث ابتكر هذا المعنى من هذه الآية ، وهو تفسير معنى الكلام ، وليس تبيينا لمدلول لفظ صعيد ، ونظيره قوله
وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا في أول هذه السورة .
والزلق : مصدر زلقت الرجل ، إذا اضطربت وزلت على الأرض فلم تستقر ، ووصف الأرض بذلك مبالغة ، أي ذات زلق ، أي هي مزلقة .
والغور : مصدر غار الماء ، إذا ساخ الماء في الأرض ، ووصفه بالمصدر للمبالغة ، ولذلك فرع عليه
فلن تستطيع له طلبا ، وجاء بحرف توكيد النفي زيادة في التحقيق لهذا الرجاء الصادر مصدر الدعاء .