وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا .
بعد أن أشار إلى جدالهم في هدى القرآن بما مهد له من قوله
وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ، وأشار إلى أن الجدال فيه مجرد مكابرة وعناد ، وأنه لا يحف بالقرآن ما يمنع من الإيمان به ، كما لم يحف بالهدى الذي أرسل إلى الأمم ما يمنعهم الإيمان به ، أعقب ذلك بأن
وظيفة الرسل التبليغ بالبشارة والنذارة ، لا التصدي للمجادلة ; لأنها مجادلة لم يقصد منها الاسترشاد ، بل الغاية منها إبطال الحق .
والاستثناء من أحوال عامة محذوفة ، أي ما نرسل المرسلين في حال إلا في حال كونهم مبشرين ومنذرين ، والمراد بالمرسلين جميع الرسل .
[ ص: 353 ] وجملة
ويجادل الذين كفروا بالباطل عطف على جملة
وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ، وكلتا الجملتين مرتبط بجملتي
ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا ، وترتيب هذه الجمل في الذكر جار على ترتيب معانيها في النفس بحيث يشعر بأن كل واحدة منها ناشئ معناها على معنى التي قبلها ، فكانت جملة
ويجادل الذين كفروا بالباطل مفيدة معنى الاستدراك ، أي أرسلنا الرسل مبشرين ومنذرين بما فيه مقنع لطالب الهدى ، ولكن الذين كفروا جادلوه بالباطل ; لإزالة الحق لا لقصد آخر ، واختيار فعل المضارعة للدلالة على تكرر المجادلة ، أو لاستحضار صورة المجادلة .
والمجادلة تقدمت في قوله تعالى
يجادلنا في قوم لوط في سورة
هود .
والإدحاض : الإزلاق ، يقال : دحضت القدم ، إذا زلت ، وهو مجاز في الإزالة ; لأن الرجل إذا زلقت زالت عن موضع تخطيها ، قال تعالى
فساهم فكان من المدحضين .
وجملة
واتخذوا آياتي عطف على جملة ويجادل فإنهم ما قصدوا من المجادلة الاهتداء ، ولكن أرادوا إدحاض الحق ، واتخاذ الآيات كلها ، وبخاصة آيات الإنذار هزؤا .
والهزؤ : مصدر هزأ ، أي اتخذوا ذلك مستهزأ به ، والاستهزاء بالآيات هو الاستهزاء عند سماعها ، كما يفعلون عند سماع آيات الإخبار بالبعث وعند سماع آيات الوعيد والإنذار بالعذاب .
وعطف " وما أنذروا " على " الآيات " عطف خاص على عام ; لأنه أبلغ في الدلالة على توغل كفرهم وحماقة عقولهم .
" وما أنذروا " مصدرية ، أي وإنذارهم ، والإخبار بالمصدر للمبالغة .
وقرأ الجمهور ( هزؤا ) بضم الزاي ، وقرأه
حمزة ( هزءا ) بسكون الزاي .