[ ص: 224 ] اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى
يجوز أن يكون انتقال إلى خطاب
موسى وهارون . فيقتضي أن
هارون كان حاضرا لهذا الخطاب . وهو ظاهر قوله بعده (
قالا ربنا إننا نخاف ) .
وكان حضور
هارون عند
موسى بوحي من الله أوحاه إلى
هارون في
أرض ( جاسان ) حيث منازل
بني إسرائيل من أرض قرب طيبة .
قال في التوراة وفي الإصحاح الرابع من سفر الخروج وقال أي الله هاهو
هارون خارجا لاستقبالك فتكلمه أيضا . وفيه أيضا : وقال الرب
لهارون اذهب إلى البرية لاستقبال
موسى فذهب والتقيا في جبل الله أي جبل حوريب ، فيكون قد طوي ما حدث بين تكليم الله تعالى
موسى في الوادي عند النار وما بين وصول
موسى مع أهله إلى جبل حوريب في طريقه إلى أرض
مصر ، ويكون قوله (
قالا ربنا إننا نخاف ) إلخ ، جوابا عن قول الله تعالى لهما (
اذهبا إلى فرعون ) إلخ . ويكون فصل جملة (
قالا ربنا إننا نخاف ) إلخ . . لوقوعها في أسلوب المحاورة .
ويجوز أن تكون جملة (
اذهبا إلى فرعون ) بدلا من جملة (
اذهب أنت وأخوك ) ، فيكون قوله ( اذهبا ) أمرا
لموسى بأن يذهب وأن يأمر أخاه بالذهاب معه
وهارون غائب . وهذا أنسب لسياق الجمل . وتكون جملة (
قالا ربنا إننا نخاف ) مستأنفة استئنافا ابتدائيا ، وقد طوي ما بين خطاب الله
موسى وما بين حكاية (
قالا ربنا إننا نخاف ) إلخ . والتقدير : فذهب
موسى ولقي أخاه
هارون ، وأبلغه أمر الله له بما أمره ، فقالا ربنا إننا نخاف إلخ . .
وجملة إنه طغى تعليل للأمر بأن يذهبا إليه . فعلم أنه لقصد كفه عن طغيانه .
[ ص: 225 ] وفعل طغى رسم في المصحف آخره ألفا ممالة ، أي بصورة الياء للإشارة إلى أنه من طغي مثل رضي . ويجوز فيه الواو فيقال : يطغو مثل يدعو .
والقول اللين : الكلام الدال على معاني الترغيب والعرض واستدعاء الامتثال ، بأن يظهر المتكلم للمخاطب أن له من سداد الرأي ما يتقبل به الحق ويميز به بين الحق والباطل مع تجنب أن يشتمل الكلام على تسفيه رأي المخاطب أو تجهيله .
فشبه الكلام المشتمل على المعاني الحسنة بالشيء اللين .
واللين ، حقيقة من صفات الأجسام ، وهو : رطوبة ملمس الجسم وسهولة ليه ، وضد اللين الخشونة . ويستعار اللين لسهولة المعاملة والصفح . وقال
عمرو بن كلثوم :
فإن قناتنا يا عمرو أعيت على الأعداء قبلك أن تلينا
واللين من شعار الدعوة إلى الحق ، قال تعالى (
وجادلهم بالتي هي أحسن ) وقال (
فبما رحمة من الله لنت لهم ) . ومن اللين في دعوة
موسى لفرعون قوله تعالى (
فقل هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى ) وقوله (
والسلام على من اتبع الهدى ) ، إذ
المقصود من دعوة الرسل حصول الاهتداء لا إظهار العظمة وغلظة القول بدون جدوى . فإذا لم ينفع اللين مع المدعو وأعرض واستكبر جاز في موعظته الإغلاظ معه ، قال تعالى (
ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ) ، وقال تعالى عن
موسى (
إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى ) .
والترجي المستفاد من لعل ؛ إما تمثيل لشأن الله في دعوة
فرعون بشأن الراجي ، وإما أن يكون إعلاما
لموسى وفرعون بأن يرجو ذلك ،
[ ص: 226 ] فكان النطق بحرف الترجي على لسانهما ، كما تقول للشخص إذا أشرت عليه بشيء : فلعله يصادفك تيسير ، وأنت لا تريد أنك ترجو ذلك ولكن بطلب رجاء من المخاطب . وقد تقدمت نظائره في القرآن غير مرة .
والتذكر : من الذكر - بضم الذال - أي النظر ، أي لعله ينظر نظر المتبصر فيعرف الحق أو يخشى حلول العقاب به فيطيع عن خشية . لا عن تبصر . وكان
فرعون من أهل الطغيان واعتقاد أنه على الحق . فالتذكير : أن يعرف أنه على الباطل ، والخشية : أن يتردد في ذلك فيخشى أن يكون على الباطل فيحتاط لنفسه بالأخذ بما دعاه إليه
موسى .
وهنا انتهى تكليم الله تعالى
موسى - عليه السلام - .