منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى
مستأنفة استئنافا ابتدائيا . وهذا إدماج للتذكير بـ الخلق الأول ليكون دليلا على إمكان الخلق الثاني بعد الموت . والمناسبة متمكنة ؛ فإن ذكر خلق الأرض ومنافعها يستدعي إكمال ذكر المهم للناس من أحوالها ، فكان
خلق أصل الإنسان من الأرض شبيها بخروج النبات منها . وإخراج الناس إلى الحشر شبيه بإخراج النبات من الأرض . قال تعالى (
والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا ) . وتقديم المجرورات الثلاثة على متعلقاتها ؛ فأما المجرور الأول والمجرور الثالث فللاهتمام بكون الأرض مبدأ الخلق الأول والخلق الثاني . وأما تقديم (
وفيها نعيدكم ) فللمزاوجة مع نظيريه .
ودل قوله تعالى (
وفيها نعيدكم ) على أن
دفن الأموات في الأرض هو الطريقة الشرعية لمواراة الموتى سواء كان شقا في الأرض أو لحدا ، لأن كليهما إعادة في الأرض ؛ فما يأتيه بعض الأمم غير
[ ص: 241 ] المتدينة من إحراق الموتى بالنار ، أو إغراقهم في الماء ، أو وضعهم في صناديق فوق الأرض ، فذلك مخالف لسنة الله وفطرته ، لأن الفطرة اقتضت أن الميت يسقط على الأرض فيجب أن يوارى فيها . وكذلك كانت أول مواراة في البشر حين قتل أحد ابني آدم أخاه . كما قال تعالى في سورة العقود (
فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي ) فجاءت الشرائع الإلهية بوجوب الدفن في الأرض .
والتارة : المرة ، وجمعها تارات . وأصل ألفها الواو . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي : أصل ألفها همزة فلما كثر استعمالهم لها تركوا الهمزة . وقال بعضهم : ظهر الهمز في جمعها على فعل فقالوا : تئر بالهمز . ويظهر أنها اسم جامد ليس له أصل مشتق منه .
والإخراج : هو إخراجها إلى الحشر بعد إعادة هياكل الأجسام في داخل الأرض ، كما هو ظاهر قوله (
ومنها نخرجكم ) ، ولذلك جعل الإخراج تارة ثانية للخلق الأول من الأرض . وفيه إيماء إلى أن
إخراج الأجساد من الأرض بإعادة خلقها كما خلقت في المرة الأولى ، قال تعالى (
كما بدأنا أول خلق نعيده ) .