فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى .
الفاء فصيحة عاطفة على مقدر يدل عليه الكلام السابق ، أي فسرى بهم فأتبعهم
فرعون ، فإن
فرعون بعد أن رأى آيات غضب الله عليه وعلى قومه وأيقن أن ذلك كله تأييد
لموسى أذن
لموسى وهارون أن يخرجا
بني إسرائيل ، وكان
إذن فرعون قد حصل ليلا لحدوث موتان عظيم في القبط في ليلة الشهر السابع من أشهر القبط وهو شهر " برمهات " وهو الذي اتخذه اليهود رأس سنتهم بإذن من الله وسموه " تسري " فخرجوا من مدينة "
رعمسيس " قاصدين شاطئ البحر الأحمر . وندم
فرعون على إطلاقهم فأراد أن يلحقهم ليرجعهم إلى مدينته ، وخرج في مركبته ومعه ستمائة مركبة مختارة ومركبات أخرى تحمل جيشه .
وأتبع : مرادف تبع . والباء في بجنوده للمصاحبة .
واليم : البحر . وغشيانه إياهم : تغطيته جثثهم ، أي فغرقوا .
[ ص: 272 ] وقوله ( ما غشيهم ) يفيد ما أفاده قوله (
فغشيهم من اليم ) إذ من المعلوم أنهم غشيهم غاش ، فتعين أن المقصود منه التهويل ، أي بلغ من هول ذلك الغرق أنه لا يستطاع وصفه . قال في الكشاف ( هو من جوامع الكلم التي تستقل مع قلتها بالمعاني الكثيرة ) . وهذا الجزء من القصة تقدم في سورة يونس .
وجملة (
وأضل فرعون قومه ) في موضع الحال من الضمير في غشيهم .
والإضلال : الإيقاع في الضلال ، وهو خطأ الطريق الموصل . ويستعمل بكثرة في معنى الجهالة وعمل ما فيه ضر وهو المراد هنا . والمعنى : أن
فرعون أوقع قومه في الجهالة وسوء العاقبة بما بث فيهم من قلب الحقائق والجهل المركب ، فلم يصادفوا السداد في أعمالهم حتى كانت خاتمتها وقوعهم غرقى في البحر بعناده في تكذيب دعوة
موسى - عليه السلام - . وعطف ( وما هدى ) على ( أضل ) : إما من عطف الأعم على الأخص لأن عدم الهدى يصدق بترك الإرشاد من دون إضلال ؛ وإما أن يكون تأكيدا لفظيا بالمرادف مؤكدا لنفي الهدى عن
فرعون لقومه فيكون قوله وما هدى تأكيدا ل أضل بالمرادف كقوله تعالى (
أموات غير أحياء ) وقول
الأعشى : ( حفاة لا نعال لنا ) من قوله :
إما ترينا حفاة لا نعال لنا إنا كذلك ما نحفى وننتعل
وفي الكشاف : إن نكتة ذكر ( وما هدى ) التهكم
بفرعون في قوله (
وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) اهـ .
يعني أن في قوله ( وما هدى ) تلميحا إلى قصة قوله المحكي في سورة غافر (
قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) وما في هذه من قوله (
بطريقتكم المثلى ) ، أي هي هدى ، فيكون من
[ ص: 273 ] التلميح إلى لفظ وقع في قصة مفضيا إلى التلميح إلى القصة كما في قول
مهلهل :
لو كشف المقابر عن كليب فخبر بالذنائب أي زير
يشير إلى قول
كليب له على وجه الملامة : أنت زير نساء .