قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى
جواب عن قولهم :
لولا يأتينا بآية من ربه وما بينهما اعتراض . والمعنى : كل فريق متربص فأنتم تتربصون بالإيمان ، أي تؤخرون الإيمان إلى أن تأتيكم آية من ربي ، ونحن نتربص أن يأتيكم عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة ، وتفرع عليه جملة " فتربصوا " . ومادة الفعل المأمور به مستعملة في الدوام بالقرينة ، نحو
يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ، أي فدوموا على تربصكم .
[ ص: 348 ] وصيغة الأمر فيه مستعملة في الإنذار ، ويسمى المتاركة ، أي نترككم وتربصكم ؛ لأنا مؤمنون بسوء مصيركم . وفي معناه قوله تعالى :
فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون . وفي ما يقرب من هذا جاء قوله :
قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون . وتنوين " كل " تنوين عوض عن المضاف إليه المفهوم من المقام ، كقول
الفضل بن عباس اللهبي :
كل له نية في بغض صاحبه بنعمة الله نقليكم وتقلونا
والتربص : الانتظار . تفعل من الربص ، وهو انتظار حصول حدث من خير أو شر ، وقد تقدم في سورة براءة . وفرع على المتاركة إعلامهم بأنهم يعلمون في المستقبل من من الفريقين أصحاب الصراط المستقيم ومن هم المهتدون . وهذا تعريض بأن المؤمنين هم أصحاب الصراط المستقيم المهتدون ؛ لأن مثل هذا الكلام لا يقوله : في مقام المحاجة والمتاركة إلا الموقن بأنه المحق . وفعل " تعلمون " معلق عن العمل لوجود الاستفهام .
والصراط : الطريق . وهو مستعار هنا للدين والاعتقاد ، كقوله :
اهدنا الصراط المستقيم .
و " السوي " : فعيل بمعنى مفعول ، أي الصراط المسوى ، وهو مشتق من التسوية ، والمعنى يحتمل أنهم يعلمون ذلك في الدنيا عند انتشار الإسلام وانتصار المسلمين ، فيكون الذين يعلمون ذلك من يبقى من الكفار المخاطبين حين نزول الآية سواء ممن لم يسلموا مثل
أبي جهل ،
[ ص: 349 ] وصناديد المشركين الذين شاهدوا نصر الدين يوم
بدر ، أو من أسلموا مثل
أبي سفيان ،
nindex.php?page=showalam&ids=22وخالد بن الوليد ، ومن شاهدوا عزة الإسلام ، ويحتمل أنهم يعلمون ذلك في الآخرة علم اليقين .
وقد جاءت خاتمة هذه السورة كأبلغ خواتم الكلام لإيذانها بانتهاء المحاجة وانطواء بساط المقارعة .
ومن محاسنها أن فيها شبيه رد العجز على الصدر ؛ لأنها تنظر إلى فاتحة السورة ، وهي قوله :
ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى ؛ لأن الخاتمة تدل على أنه قد بلغ كل ما بعث به من الإرشاد والاستدلال ، فإذا لم يهتدوا به فكفاه انثلاج صدر أنه أدى الرسالة والتذكرة ، فلم يكونوا من أهل الخشية ، فتركهم وضلالهم حتى يتبين لهم أنه الحق .