ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم
جملة مبينة لجملة
وهم في غفلة معرضون لبيان تمكن الغفلة منهم وإعراضهم ، بأنهم إذا سمعوا في القرآن تذكيرا لهم بالنظر والاستدلال اشتغلوا عنه باللعب واللهو فلم يفقهوا معانيه وكان حظهم منه سماع ألفاظه كقوله تعالى :
ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون في سورة البقرة .
والذكر : القرآن ، أطلق عليه اسم الذكر الذي هو مصدر لإفادة قوة وصفه بالتذكير .
والمحدث : الجديد ، أي الجديد نزوله متكررا ، وهو كناية عن عدم انتفاعهم بالذكر كلما جاءهم ، بحيث لا يزالون بحاجة إلى إعادة التذكير وإحداثه مع قطع معذرتهم ؛ لأنه لو كانوا سمعوا ذكرا واحدا فلم يعبئوا به لانتحلوا لأنفسهم عذرا كانوا ساعتئذ في غفلة . فلما تكرر حدثان إتيانه تبين لكل منصف أنهم معرضون عنه صدا . ونظير هذا قوله تعالى :
وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين في سورة الشعراء ، وليس المراد بـ " محدث " ما قابل القديم في اصطلاح علم الكلام ؛ لعدم مناسبته لسياق النظم .
[ ص: 12 ] ومسألة صفة كلام الله تعالى تقدم الخوض فيها عند قوله تعالى :
وكلم الله موسى تكليما في سورة النساء . وجملة " استمعوه " حال من ضمير النصب في " يأتيهم " ، وهذا الحال مستثنى من عموم أحوال أي ما يأتيهم ذكر في حال إلا في حال استماعهم . وجملة " وهم يلعبون " حال لازمة من ضمير الرفع في " استمعوه " مقيدة لجملة " استمعوه " ؛ لأن جملة " استمعوه " حال باعتبار أنها مقيدة بحال أخرى هي المقصودة من التقييد ، وإلا لصار الكلام ثناء عليهم . وفائدة هذا الترتيب بين الجملتين الحاليتين الزيادة لقطع معذرتهم المستفاد من قوله : " محدث " كما علمت .
و
لاهية قلوبهم حال من المبتدأ في جملة
وهم يلعبون وهي احتراس لجملة " استمعوه " أي استماعا لا وعي معه .